|
|
وأخيرا مغاربة سوريا في الإعلام المغربي الرسمي
أضيف في 31 ماي 2014 الساعة 49 : 16
وأخيرا مغاربة سوريا في الإعلام المغربي الرسمي
خلال الأيام القليلة الماضية، عملت القناة الثانية المغربية، على بث برنامجين احدهما حواري، والثاني وثائقي، وكان موضوعهما يتعلق بقضية المغاربة اللذين سافروا إلى سوريا، من اجل "الجهاد". وبطبيعة الحال تزاحُم البرنامجين وتلاحُقهما زمنيا، يوحي وكان الحدث مستجد والحديث مهني وموضوعي، ويوحي ذلك أيضا، وكأن المسألة تتعلق برغبة وطنية صرفة في إنهاء تلك القضية، فماذا عن طبيعة التوقيت؟ وماذا عن الغايات؟.
التوقيت
لا يمكن القول مثلا، بأن التلفزيون الرسمي المغربي، كان مشغولا طيلة السنتين الماضيتين بتجميع مقاطع الفيديو عن "المغاربة" في سوريا، أو أنه وجد صعوبة في العثور على/ وإجراء لقاءات مع أسر بعض أولئك الشباب المغرر بهم. لكن ربما يمكن أن يكون التوقيت الذي اختارته الدعاية الرسمية في المغرب، لتسليط الضوء على الموضوع ذو أكثر من مغزى، سيما وأن اختيار التوقيت هو أهم ما في السياسة والإعلام، بل إن فهم التوقيت يقود إلى استجلاء الغايات.
على صعيد جبهات القتال داخل سوريا، هناك تقدم سريع ومريح للجيش السوري، حسم لمنطقة القلمون، وتقدم في كسب وريف اللاذقية، ثم إخلاء لحمص القديمة دون الدخول في معركة ردع شامل، و الآن الوجهة إلى حلب، ومن شرقها إلى شرق سوريا وشمالها الشرقي. وضع ميداني يؤشر بأن هناك هجرة عكسية للمقاتلين الأجانب من سوريا، ويُلاحظ في إستراتيجية الدولة السورية أنها تنتهج أسلوب المصالحات مع السوريين، وتطارد غير السوريين إلى خارج الحدود، وهو الأمر الذي يهدد أمن بلدان الجوار السوري على الخصوص مثل تركيا والأردن تحديدا، ناهيك عن أمن بلدان أوروبا، ولذلك عُقد مؤخرا اجتماع بروكسيل الأمني، ليناقش موضوع العائدين من سوريا، وكان المغرب من ضمن الدول الممثلة في الإجتماع.
إذا فالسياق العام هو فشل الخطة التي رسمت، والتي كان هدفها استنزاف مكونات الدولة السورية، والضغط عليها، بهدف إسقاطها، أو إعادة تشكيل سقف خياراتها الجيواستراتيجية. والآن هناك خوف كبير من أن ينقلب السحر على الساحر، لذلك شاهدنا هذا الهلع في الإعلام العالمي المحيط بملف العائدين من سوريا، والمغرب آخر طائر يصيح في السرب. للأسف قبل أن يتناول الإعلام الرسمي الموضوع، كان استقبال العائدين، يتم بطرق تقليدية، ميسمها رد الفعل الأمني الصرف والتقليدي، وقد ناقشنا هذه القضية في مقال "من يصنع التطرف الديني بالمغرب".
كان برنامج "مباشرة معكم" حاملا لوجهتي نظر هامتين، وجهة نظر الباحث المحترف (عبد الله الرامي)، ووجهة نظر رجل الدولة (هشام باعلي). أما ما عداهما هم مجرد تأثيث للمشهد الحواري. فالأول كان يشرح الوضع في سياقه الجيوبوليتيكي، ويتفهم موقع المغرب، وتبعيته لحلف كان هدفه تدمير سوريا، في حين كان الثاني يدعو إلى أخذ الأمور بواقعية، إذ من الصعب على "جهاز دولتي" أن يفكر بمنطق العواطف، ويتساهل مع العائدين. أما برنامج "تحقيق" حول الموضوع نفسه، فتركز على نقل صورة عن البيئة الاجتماعية والثقافية المغربية، والتي لا تحتضن مثل هذا الفكر بتاتا، بحيث أن العينة المأخوذة هي من اسر المعنيين بالأمر، لكن هل أبعاد هذا العرض متصلة بأهداف واضحة ومحددة ومعلنة؟
الغايات
اعتُمد في ذلك العرض أسلوب التهويل، لكن ليس بما يعكس حقيقة الظاهرة، وإنما بما يثير غرائز الخوف لدى جهات معينة، وكأني بالمراد من ذلك، إرسال رسائل إلى المسلحين المغاربة في سوريا مباشرة أو عبر ذويهم، مفادها أن الدولة لن تتساهل معهم، وأن المجتمع يرفض فكرهم، وتصور لهم المسألة وكان الموت هناك أفضل من العودة للاعتقال في المغرب، فالانطباع الأول الذي يأخذه المشاهد العادي، هو أن كل المسلحين المغاربة في سوريا يقيمون مسألة العودة من نفس المنظار.
هؤلاء هم بالطبع ضحايا الفكر الأحمق، والجيو بوليتيك المتعطش للجغرافيا، وهُم وقود الحروب على مدار أربعين سنة. لذلك فأسلوب الإعلام الرسمي المغربي في التعاطي مع الظاهرة، لا يخرج عن استعمال تقنية "الضخ الناعم والمنظم للمعلومة في ذهن الناس"، وهي تقنية جرى استخدامها خلال الحرب الباردة، ووصلت مداها في العالم العربي مع توظيفات قناة الجزيرة، بحيث مازال الكثيرون إلى اليوم لم يفهموا الدور المزدوج الذي لعبته الجزيرة أثناء حرب العراق، تجييش الشعوب العربية وإخراجها إلى الشوارع، وتسعير الحرب النفسية على الجيش العراقي عبر التهويل من إمكانيات المارينز، وبين هذا وذاك تهييء العراقيين كي يستقبلوا صواريخ الناتو القادمة من العيديد والسيلية!!.
فالمطلوب بناء على ذلك، تهويل الظاهرة بقدر يدفع صوب تحقيق أهداف معينة، أهمها أنه يُفضل أن يموت أولئك الأفراد في سوريا، ولا يعودوا إلى المغرب، وهي إستراتيجية معمول بها، فقد ذهبت بعض الدول مثل بريطانيا من أجل ذلك إلى حد تجريد من يقاتل في سوريا من جنسيته، ليس حرصا على سوريا من الإرهاب، ولكن حرصا على أن يتم استنفاذ ورقة الإرهاب إلى أخر الإمكانات التي تتيحها، لتحقيق ما خصصت له، وإبعادا للخطر عن أراضي تلك الدول. والمغرب أيضا يفعل نفس الأمر، نظرا لأنه يقع ضمن نفس الحلف، وينفذ ذات التصورات.
يتحدث بعض الخبراء في الملف، عن ملامح التهييء لمحرقة على أرض سوريا، تُنهي أو تقوم بتحجيم الجسم المسلح. ولذلك يلاحظ ميل لدى الدولة والجيش في سوريا إلى عدم تنفيذ تلك المخططات بدون أثمان في السياسة، فالأكيد أن سقف الحلف الدولي الذي اجتمع منذ الأيام الأولى كي يعطي الغطاء السياسي والدولي والحقوقي والإنساني لما يجري في سوريا، سقفه تراجع من إسقاط الدولة السورية تحت عنوان "رحيل بشار"، إلى إنهاكها في تحمل مسؤولية منفردة هي حلفاؤها جوهرها تخليص العالم من ثقل فكر وتنظيمات الإرهاب والتطرف الديني.
تجدر الإشارة إلى أنه ليس غرض هذا النقاش قياس درجة الديمقراطية في سوريا، قبل 18 مارس 2011 وبعده، تلك قضية أخرى تماما، لذلك فسياق وغايات الحديث المُسهب مؤخرا في الإعلام العالمي عامة، والإعلام المغربي خصوصا، ليس لهواجس إنسانية أو حتى أمنية صرفة، وإنما استمرار في ترصيد وكشف الحسابات الجيوبوليتيكية. فالدول عادة لا تترك المصالح والإصطفافات المصلحية عبر العالم، كي تعود إلى التفكير في القيم الإنسانية ونبالة المشاع، هذا أمر مفهوم طبعا، بل إن الهاجس الأمني نفسه ليس مبعثه الخوف على سلامة المواطنين، بقدر ما تخشى الدول على الاستقرار الذي يضمن بيئة ملائمة لعدد من أنشطة الاستثمار، وهذا أمر مفهوم أيضا، ولذلك تأتي مصلحة الأفراد البسطاء في الطريق إلى ذلك فقط، والمهم أن تأتي - كما قلت في مقال سابق-.
الإرهاب وما شاكله هو من مخلفات الحرب الباردة، وقد كانت الحاجة تظهر إليه من حين لآخر في إطار جيوبوليتيك الإرهاب، فالقوى التي راهنت عليه طيلة أربعين عاما، باعتباره أسلوبا أمثل للحرب بالوكالة، لم يعد في مستطاعها تحمل تبعاته، خصوصا وأنها اكتوت من نيرانه أكثر من مرة، وربما القادم أسوأ، فمن يقترب من هذا المكون اشتباكا أو تشبيكا لابد أن يكتوي منه. ومع انكشاف العلاقات المعقدة لأجهزة الاستخبارات العالمية مع شبكات التجنيد والتدريب والتعبئة للإرهابيين، أصبح الرأي العام الأوروبي والأمريكي يضغط صوب رمي تلك الورقة إلى صندوق القمامة، زاد من ذلك السياق الموضوعي المرتبط بتحولات النظام الدولي وإعادة تشكيل موازين القوى وإعادة النظر في أدواتها.
الولايات المتحدة والقوى العظمى الحليفة لها، لا تقيم علاقة متكافئة مع كل حلفائها، لذلك سواء باعتمادها على الإرهاب والتسويق له حينما تدعو إليه مطامحها، أو حين تتطلب حاجاتها القضاء عليه، في كل الأحوال، هي تفعل ذلك من إيمان شعوبنا وبساطة اطلاعها وفهمهما للإسلام، ومن توقهم للخير، ومن سهولة انقيادهم من طرف هذا الشيخ أو ذاك من محترفي التحريض، وتعمل على تعبئة مشاريعها من فقرهم وجوعهم، وهي وحلفاؤها بكل درجاتهم، لا تعنيهم دموع الأمهات المكلومات على أبنائهن المغرر بهم، إلا حينما تصبح مادة طازجة يستخدمها الإعلام للتقديم لتعامل غير إنساني مع إنسان تشكل فكره على نحو غير إنساني وأُريد له أن يكون ضحية بكل من ولادته إلى معانقته التراب...
عبد الفتاح نعوم
|
|
|
[email protected]
التعليق يجب أن يناقش موضوع المادة
|
|
|