منهم من فارق الحياة ومنهم من عاش بعاهات مزمنة - الخطأ الطبي في قفص الإتهام
إذا كانت حالات وقصص وماسي الأخطاء الطبية كثيرة ومتنوعة, يكفينا لتجلية هذا الواقع المؤذي الوقوف عند حالة السيدة إلهام الناعوري أم الطفل هاشم الرمضاني المغربي الاصل والكندي بالجنسية, هذه السيدة التي وجدت نفسها فجأة بدون اختياراتها ولا رغبة من ابنها أو من أحد من أفراد عائلتها, الجميع تواجدوا بفعل تبعات خطأ طبي أوجدهم داخل عالم من المتاهات التي لا تنتهي والتي نغصت حياتهم وجعلت من بينهم ضحية لازالت في عمر الزهور عرفت معنى المعاناة مند زمانها المبكر, ورتبت موعدا مع المجهول فيما تعرفه في قابل الأيام والسنين من عمرها.
تعود أطوار هذه الواقعة الغريبة غرابة الأخطاء الطبية في مجملها, إلى شهر مايو من السنة التي نودعها بما لها وما عليها 2013, حينما حملت السيدة إلهام ولدها إلى طبيب يدعى (ب ف) قصد القيام بعملية سهلة متداولة وهي عملية الختان, ولعل السيدة إلهام في اختيارها هذا سعت إلى الجودة في العمل الطبي والتأكد من نجاح العملية وكيف لا والامر يتعلق بكلينيك يعمل فيه المتخصصون من أطباء وأساتذة بالرغم من كون هذه العملية تقوم بها جمعيات المجتمع المدني على شكل حملات في ليلة عيد المولد النبوي, بل هناك أسر تقصد (الحجام) وهو ذاك الشخص الأمي الصنايعي المحترف في عملية الختان تسلمه إبنها من أجل الختان وهي تنشد بجانب الغرفة التي يجري فيها الحجام الختان "الحجام عار عليك راه وليدي ما بين يديك" فيسمع الحجام تلك الهتافات بكل جدية ومسؤولية ويقدر معنى ومفهوم "العار عليك" وتمر الأمور عادية عند كل الأسر المغربية ينهي الحجام عملية الختان في رمشة العين ويسلم الطفل لذويه لتستمر الأفراح فيغادر الحجام المنزل بخطاه الثابتة ونظراته الثاقبة دلالة على احترافيته وثقة مستحقة بنفسه.
غير أنه على ما يبدو جرت الرياح بما لم تشتهيه سفن إلهام, بحيث لما وضعت ابنها بين يدي الذكتور (ب ف) كانت بذلك قد أشرت على فتح صفحات من المعاناة والماسي التي ستحكيها للعادي والبادي.
أدخل الطفل الصغير البريئ إلى Bloc دخل وحيدا رفقة جزاره, وبقي الأبوان خارجا بحيث لم يسمح لهما بمرافقته, بعد مدة زمنية طويلة وطويلة جدا على قلبي الأم و الأب خرج الطبيب ليزف لهما نبأ انتهائه من العملية, لكن ليوضح لهما في ذات الوقت أنها عملية ليست كباقي العمليات وختان ليس ككل ختان لكون ابنهما يعاني من تشوه خلقي على مستوى جهازه التناسلي.
الخبر كان بمستوى الصاعقة نزلت على رأس الأم إلهام التي هي الأقرب إلى إبنها من الطبيب ولم يسبق أن لاحظت عليه أية سمة من سمات التشوهات الخلقية إن على مستوى الجهاز التناسلي أو أي عضو من أعضاء جسم ابنها, غير أنه ربما الطبيب يعرف الصبي أكثر من أمه سريا على معنى المثل المغربي السائر "أجي أمي نوريك دار خوالي".
لم تتقبل الأم رواية الطبيب الجاني (ب ف) , فحملت فلذة كبدها إلى كلينيك الأطفال المتواجد بشارع عبد الرحيم بوعبيد وعرضته على البروفيسور (ف أ) وكما كانت الأم تتوقع مستندة على شكوك كبيرة, أكد لها هذا البروفيسور أن ابنها لا يعاني من أي تشوه خلقي, وأن كل ما في الأمر أن عملية الختان لم تكن عملية طبيعية , وأن الخياطة التي خيط به جهازه التناسلي ستمنع الطفل من التبول الطبيعي, ليجهرها بعد ذلك مدوية : تفيد انه تم بتر جزء من "حشفة" ذكر الصبي وهو الأمر الذي يتطلب إجراء عملية جراحية فورية.
أصيبت الأم بصدمة كبيرة, ولم تجف عيناها من الدموع, ورفضت في البداية تحت تأثير الصدمة القبول بإجراء إبنها عملية جراحية جديدة إلا بعد أن عرضته على طبيب اخر يدعى أرسلان أكد لها خلاصات ما جاء في تقرير البروفيسور الذي سبقه, وأكد لها ضرورة إجراء العملية المستعجلة فوافقت على الفور.
بعد إجراء العملية الإستعجالية أكد البروفيسور (ف أ) لأم الضحية أن ابنها بخير و أن حالته مستقرة, غير أنه أخفى على الأم أنه أجرى كذلك لابنها عملية تجميلية, وهي العملية التي سيتنكر لها الكلينيك ولن يدرجها ضمن لائحة الأداء في نهاية الأمر.
الإشكال سينفجر عندما ستقرر الأم, وهذا من حقها, متابعة الطبيب الجاني الذي تسبب لابنها فيما تسبب, بحيث لا البروفيسور ولا مدير الكلينيك يرغبان في ذلك, ليس إشفاقا على الطبيب الجاني و إنما على سمعة الكلينيك الذي يذر عليهما أرباحا فوق الخيال.
بقي الطفل في الكلينيك زهاء 16 يوم, مع إصرار الكلينيك على عدم فتح ملف المتابعة في حق الطبيب الجاني, ولجأ المشرفون إلى الإعتماد على أساليب الوعد والوعيد, بحيث هددوا الأم بحملها إلى مستشفى المجانين, ولجوء بعد عناصر الأمن المستقدمين من طرف الكلينيك إلى الإمعان في تهديد الأم.
أمام هذا المشهد الغريب لم تجد الأم وسيلة سوى تحرير شكاية في الموضوع إلى وكيل الملك تحمل رقم 7138 والمؤرخة في 6 مايو 2013 ثم شكاية أخرى وجهتها إلى هيئة الأطباء بالدار البيضاء.
بعد مرور شهران على الحادث, وبعد أن يئست الأم وفقدت الثقة في أغلب من يمتهنون هذه المهنة خاصة وأنها لم تجد بينهم من يؤشر على تقرير موضوعي يصف بكل شفافية ما وقع للطفل الضحية. قررت الأم في اخر المطاف حمل ابنها إلى كندا وهناك عرضته على طبيب Urologue , أكد لها بما لا يدع مجالا للشك أن هناك بتر جزئي للحشفة من العضو الذكري للطفل, الجديد الذي أضافه هذا الطبيب الكندي أن الطفل سيعاني من عيب في جهازه التناسلي لا يمكن إصلاحه.
ثارت ثائرة الأم التي لا حول ولا قوة لها, و أصبح مستقبل ابنها يشكل هاجسا بالنسبة لها, بحيث ترى الضياع هو ما ينتظر ابنها. وبقدر ما تنخر الحسرة نفسها, بقدر ما باتت تؤمن أن قيادة معركة لإنصاف ابنها واسترجاع حقوقه لابد منها ومن خوضها حتى النفس الاخير, ومن أجل ذلك قادت الأم المكلومة مجموعة من الإتصالات كان من بينها اتصال مع وزير الصحة الوردي الذي كلمها هاتفيا مؤكدا لها أن مدير الكلينيك أخبره أن الطاقم الطبي قام باللازم والواجب في مراعاة ابنها, وهو ما نفته الأم معتبرة تصريح الوزير بمثابة انتكاسة وصدمة لها. مما جعلها تصر على ضرورة متابعة الطبيب الجاني قضائيا, في الوقت الذي اتهمتها إدارة الكلينيك بالقيام بالفوضى, هذه الفوضى التي فسرتها الأم باتهام مجاني لا أساس له من الصحة و أن كل ما تقوم به هذه السيدة هو الجلوس في قاعة الإستقبالات في الكلينيك وهي حاملة صور ابنها المبتور جهازه التناسلي, وأن اتهامات الكلينيك له بالقيام بالفوضى هو بمثابة هروب إلى الأمام للتنصل من مسؤولية ما أصاب ابنها .
انتقلت القضية إلى دواليب المحكمة الإبتدائية بالدار البيضاء, وقد مر إلى حدود الساعة عقد خمس جلسات في كل مرة يتم تأجيل الجلسات لسبب من الأسباب كان اخرها تعذر حضور كل الشهود , وبالرغم من حضور شاهد واحد وهو الدكتور أرسلان رفضت المحكمة الإستماع إليه منفردا و أجلت الجلسة إلى حين حضور كافة الشهود وضربت لها موعد 14 يناير 2014 .
المحكمة إذن تعمد إلى تأجيل الحكم بجلسة وراء جلسة, في هذه الجلسة يحظر شاهد ويغيب إثنان, وفي الجلسة الثانية يحظر شاهدان ويغيب ثالث, وفي الجلسة الثالثة قد يغيب هم الثلاثة, لتبقى التأجيلات هي سيدة الموقف, في مقابل ذلك هناك طفل يجسد واقع المثل المغربي السائر "أمي ولداتني بلا عيب والعيب غدار" يظل ينشده وسينشده طيلة حياته, بعد أن قرر المقص الطبي الذي تحمله أيادي مرتعشة جاهلة أن يخط قدرا مظلما لم يكن أبدا من اختيار هذا الصبي الملائكي ليفرض عليه تحمل تبعاته.
والمحكمة كذلك عندما تؤجل عليها أن تضع في الحسبان قلبين مكلومين لم تعد تسعهما رحاب هذه الدنيا عندما تاها حول طبيعة اختيار زمان ومكان الحادث, يتساءل الاب والام .
وكذلك كيف يمكن استساغة استمرار من جنى على طفل بريئ في مزاولة مهامه في نفس المكان دون قيد ولا شرط, ألا يمكن أن نتصور وقوع ضحية وضحية وضحية... جدد؟
افة الخطأ الطبي إذن من شأنها أن تغير مسار حياة فرد وكل من يحيطون به, ومن شأنها أيضا أن تحسم في قدر وقضاء المريض الذي يتوسل علاجا ليتحول إلى معتل مدى الحياة ينظر إليه المجتمع بعين الرأفة دون القدرة على إنصافه.
من هنا لابد وبات من الضروري التفكير جديا في الحد من هذه الظاهرة المنبوذة والمنافية للقيم, بأن تتم عملية محاصرتها والإلتفاف على مسبباتها وذلك عن طريق تعميق التكوين للأطباء ومنح مدة كافية لكل طبيب أن يعمل طبيبا مساعدا إلى جانب بروفيسور مدة تمكنه من تعميق معلوماته وإكتساب ما يكفي من الخبرات التي من شأنها أن تساعده على تجنب الإساءة للمرضى عن طريق الخطأ الطبي.
من ناحية أخرى لابد من وضع رزنامة قوانين زجرية وحاسمة لمعاقبة الجناة وعدم تلمس أي عذر كيفما كان نوعه لأي خطأ طبي مهما صغر حجمه, مع الضرب بيد من حديد على لوبيات الفساد الذين يتاجرون بصحة المواطنين وهم في ذلك لا يرومون إلا لتحقيق الأرباح المادية الخيالية, لأن صحة المواطن مرتبطة بكرامته ومن واجب الدولة تهييئ الكوادر الطبية التي من شأنها أن تراعي الصحة والكرامة للمواطن وجعل الحد للعبث بصحته ومستقبله...
كثيرة هي حالات الوفاة والتشوهات التي لحقت العديد من المرضى بسبب ما يسمى بالأخطاء الطبية, هذه الأخطاء التي ترتكب بلا وجه حق تترتب عليها نتائج وخيمة يعاني أصحابها مدى الحياة هذا إن بقوا فعلا على قيد الحياة. وعادة ينتج الخطأ الطبي عن حركة يقترفها الطبيب عن جهل أو عن عدم اكثرات استصغارا لشأنها لكنها تجعل المريض يؤي الكثير والكثير ماديا ومعنويا.
و إذا بدا أن المعالجة القانونية للخطأ الطبي تبدو صعبة بالنضر إلى نوع من الفراغ القانوني في الإحاطة بهذا الموضوع, نجد الفقهاء يعرفون الخطأ الطبي بأنه "كل مخالفة أو خروج من الطبيب في سلوكه على القواعد والأصول الطبية التي يقضي بها العلم ، أو المتعارف عليها نظرياً وعملياً وقت تنفيذه العمل الطبي أو إخلاله بواجبات الحيطة والحذر واليقظة التي يفرضها القانون وواجبات المهنة على الطبيب ، متى ترتب على فعله نتائج جسيمة في حين كان في قدرته وواجباً عليه أن يكون يقظاً وحذراً في تصرفه حتى لا يضر بالمريض
وبالحديث مهنيا يعتبر الخطأ الطبي خطأ يتعلق بالمهنة من حيث ممارستها وهو شكل من أشكال الخروج والزيغ عن أصول وقواعد مهنة الطب ببواعث جهل أو غفوة أو عدم معرفة.
وينتج الخطأ الطبي عادة عن سوء تشخيص, أو الإنفراد به, وكذلك سوء تقدير لمقومات عملية جراحية ما مع ما يرافق ذلك من إهمال وعدم الملاحظة.
هذا ينتج عنه مباشرة ما يسمى بالضرر الذي يلحق المريض, وهو ضرر تتعدد أنواعه بين ضرر جسدي وضرر مالي وضرر معنوي,
وقد قامت العديد من الدول في العالم بإحصاءات لتحديد نوع وعدد حالات الأخطاء الطبية المرتكبة فيها, ففي أمريكا مثلا وصلت إلى حدود 7,5 بالمائة,وفي أروبا تتراوح نسبة الأخطاء الطبية بين 6 و 11 بالمائة, بينما في الدول العربية تغيب مثل هذه الإحصائيات مما يثبت ارتفاع نسبتها والتي تسجل بالخصوص على مستوى العمليات الجراحية.
على أي الخطأ الطبي في قفص الإتهام, وما يترتب عنه كفيل بأن يجعل كل بوادر الإهتمام منصبة عليه من حيث تحديد مسبباته ودوافعه والمحاولة الجادة للإلتفاف عليها لما في ذلك محاصرة للنتائج الوخيمة المترتبة عن تهور معين أو سهو غير مبرر أو استخفاف غير مدروس من هذا الطبيب أو ذاك, لأن المستهدف هو المريض وصحته ومستقبله وكيانه ومصيره وتحت أية ذريعة معينة لا يمكن السماح بالتلاعب بمصائر العباد في وقت يعرف فيه الطب تقدما كبيرا على كافة المستويات.
الجريدة الورقية : أصداء المغرب العربي
ملف العدد : الصفحة 8 والصفحة 9
العدد الأخير :01 يناير 2014