آســــفــــي ...بعيون زائرينا !
كيف لنا أن نستغيض غضبا , حينما رثانا الصحفي بهسبريس محمد الراجي أحياءا في مقاله النثري شتنبر الماضي وعنونه ب : "ساكنة آسفي.. مغاربة يعانون وسط نهار الفوضى وليل العفن"
وألصق تسمية آسفي بالعفن والفقر والمزبلة والبشاعة , وهي مفردات مستقاة من قاموس واحد مستوحى من المعجم الجامع , لشركات التدبير المفوض بالمعنى الدبلوماسي اللبق ...
وهي ارتسامات وتعابير لخصت شعور من زار مدينة آسفي لأول مرة , ووقف على حقيقتها بعيدا عن التنميق , وسيق سوقا الى معالمها التي تحمل مظاهر عيوبنا , والعهدة على الدليل وليست الكفارة على الزائر , حيث كان الأجدر بمن صاحب زميلنا ان يقتاده الى كورنيش سيدي بوزيد المزدان بأضواء ليله الزاهية الطاغية على وحشة ليله, أو الى طاجين ..... عله يفطن أن هاهنا تخضرمت فنون طبخ آسفي وطبيخه...
وللذكرى نقتبس بعضا مما جادت به أنامل الراجي "إذا قادتْكَ أقدامُكَ وأنت تحطّ الرحال لأوّل مرة إلى مدينة آسفي، نحو المدينة القديمة، خصوصا في الليل، يصعب أن تصدّق كيف يصبر السكان هنا على المحن.. بوسط المدينة القديمة، خصوصا في شارعي الرباط وإدريس بناصر، لا يتوقّف ضجيج الباعة المتجوّلين، وباعةِ السمك، وعندما يُسدل الليل ستائره على المدينة، وينسحب الكل، يتحوّل المكان إلى "مزبلة" حقيقية تختلط فيها المتلاشيات مع أحشاء الأسماك، ويصير المنظر العامّ مقزّزا، تفوح من أرضيته المبلّلة بالوحل روائح لا تٌطاق.
في حدود منتصف ليل أحد أيّام الأسبوع الماضي، وبينما كان شارع الرباط يلفظ آخر المارّين به، تحديدا حين شرع البائعون الجائلون في جمْع سلعهم، بدأت معالم الشارع تتبدّى. على الرصيف وعلى قارعة الطريق أحشاء أسماك ومياه آسنة يلزمك أن تسير على أطراف أصابعك كي تتجنب التصاقها بالثياب..
كلّما توغّل الزائر أكثر، يكتشف مزيدا من "العفونة"، ومزيدا من الأزبال والمناظر "البشعة". الأزقّة الضيّقة للمدينة القديمة والحالة المتردّية لواجهتها وقسماتُ وجوه بعض من عانوا تقلبات الزمن تنطق بؤْسا وفقْرا."
ثم ليختم مقاله قائلا عندما تُنهي جولتك بالمدينة القديمة لأسفي، وترى كل هذه المشاهد "البشعة"، لا بدّ أن تفكّر ألف ومرّة قبل العودة لزيارة المكان مرّة أخرى...
لكن ما قول الراجي اذا فتحنا له أبواب منازلنا بالمدينة القديمة وتراءت له بقع سوداء بسقوفها ليرى منها ضوء القمر والنجوم , فقراء و مهمشون يسكنون ركنا ويهجرون أركانا ولازالوا ينتظرون مؤسسات مكلفة بالعمارة والعمران , علها تنظر بعين الرحمة وتنفض الغبار على ملف من بين أهم الملفات الاجتماعية التي طال انتظارها بالمدينة , والتي لازال اصحابها ينتظرون التعجيل باستفادتهم من السكن بعيدا عن الاجراءات البيروقراطية السقيمة ...
وما رأي الراجي وهو يزور مستشفى محمد الخامس وهو يعج بمن يئنون ألما ومرضا وتكتض جنباته وأسرته هرجا ومرجا ...وما رأي الراجي والحوامل يلدن في ظروف بعيدة كل البعد عن شعار برنامج الصحة الانجابية و رعاية الأم والطفل...
وما جواب الراجي ومسؤولونا يتناوبون على اغتصاب المساحات الخضراء بالمدينة , وحدائقها ومنها من حولت الى فضاء لتدبير المال والأعمال و الكارتينغ متنفس المدينة الوحيد حول الى مشاريع رياضية تجتزء مساحته طولا وعرضا باسم المشاريع الرياضية التي كان الاجدر توفير وعاء عقاري لها بعيدا عن مساحة خضراء تشكل رئة المدينة . مدينة كان يجدر بها ان تكون مدينة الالف شجرة والألف حديقة تحولت الى كتلة اسمنتية سيصعب معها مستقبلا التمتع بهواء نقي يقي أبناءنا ملوثاث مصانع تساهم في تنشيط الاقتصاد الوطني وليس لنا منها سوى أمراض الربو والأزمات الصدرية ...
وما قول الراجي ورمال شواطئنا الذهبية تستنزفها لوبيات الرمال جهارا , وشاحنات الموت تجوب شوارعنا شمالا وجنوبا وتحصد الأموال وتحصد فينا الارواح والعاهات ولم يسلم معها المدني والشرطي والدركي ...
أما منتخبونا عزيزي الراجي فلا يروا في ساكنتنا سوى كتلة بشرية ومعادلة انتخابية يتشاركون معنا فترتها العناق ويخلقون لنا الآمال و يشيدوا لنا المشاريع على الورق المقوى , ويشيدوا مشاريعهم بأحياء مدينتي الراقية عكس ما رأيت بأحيائنا الشعبية ...
عذرا أخي الراجي زيارتك , وشاح ذكرنا بعيوبنا , رجاء زرنا في السنة ولو مرة ... , ليشهد شاهد من غير أهلها على أن دار لقمان آخذة العهد على نفسها على بالثبات ,وحتى ان تراءى لك أننا عبدنا شوارعا فسرعان ما هشمنا أوصال أخرى ...
يوسف بوغنيمي