دويلات الإخوان من سليانة إلى الميدان
"قوة، عزيمة، إيمان، مرسي يضرب بالمليان"، شعار ردده أنصار الرئيس محمد مرسي أثناء غزوة قصر الاتحادية بالقاهرة الذي يقيم فيه الرئيس محمد مرسي من طرف أنصاره الذين حضروا يوم الأربعاء 5 دجنبر 2012 حتى ينظفوا الشارع المصري من المتعصمين المناهضين لدولة الإخوان، فحتى المصابين في الاشتباكات من الإخوان كان لهم الحق في ركوب سيارة تابعة للجماعة تحمل لافتة مكتوب عليها "قوتنا في وحدتنا" وعلم مصر مكتوب عليه "نعم للدستور".
تنظيف شارع قصر الإتحادية في القاهرة من المعتصمين يشكل بداية نهاية دولة الوحدة الوطنية في مصر. فكيف وصلت مصر إلى ما وصلت إليه؟
قبل خمسة أشهر صوت الشعب المصري في الدور الثاني لصالح محمد مرسي الذي أصبح رئيسا للجمهورية بأغلبية بسيطة، صوت له كل أنصار الثورة وبالأساس أنصار التيار الناصري الملتفين حول حمدين صباحي الذين حسموا الموقف واختاروا مرسي عوض أحمد شفيق حتى يصلوا إلى القطيعة مع نظام الرئيس حسني مبارك.
تجربة وصول الإخوان في مصر إلى سدة الحكم في إطار التصالح مع الديمقراطية كان يمثل بالنسبة لكثير من المتتبعين اللحظة التاريخية لتصالح الثوار مع صناديق الإقتراع ونهاية مشروعية الميادين لصالح مشروعية صناديق الاقتراع.
لكن قرار الرئيس مرسي بنشر إعلان دستوري يلغي كل السلطات ويعطي لقراراته حصانة مطلقة أياما قبل أن تسلمه الجمعية التأسيسية مشروع دستور أمر بالتصويت عليه يوم 15 دجنبر وضع حدا لهذا الأمل.
الجمعية التأسيسية التي تكلفت بتهيء مشروع الدستور لم تكن تشتغل بكل مكوناتها، فكل التيارات الليبرالية والناصرية والأقلية القبطية انسحبت منها ولم يبق فيها إلا ممثلو الإخوان والسلفيين وبعض المنتدبين من بعض المؤسسات الدستورية التي لا يمكن لها الانسحاب كالقوات المسلحة المصرية.
رئيس خمس المصريين في الدور الأول لم يستشر باقي الفرقاء من الأطراف المساندة له الحاملة لمشروعية الميدان قبل الإعلان الدستوري، بل تعمد أن يفاجئ الجميع مستقويا فقط بجماعة الإخوان المسلمين التي تؤطر 1 في المائة من مجموع الشعب المصري في تنظيماتها وتفرض عليهم الطاعة والإنظباط، فكان من الطبيعي أن ينتفض الجميع ضد الدكتاتور مرسي، وبموجب الإعلان الدستوري أقال الرئيس النائب العام في المحكمة العليا وحرك بعد إعلان تاريخ الاستفتاء ماكينة الإخوان من أجل محاصرة المحكمة الدستورية التي كان من المفروض أن تبث في دستورية الجمعية التأسيسية بعد انسحاب كل المكونات الديمقراطية منها والتي كان من المنتظر ربما أن تقرر حل الجمعية التأسيسية أو إلغاء الإعلان الدستوري.
سلوك ماكينة الإخوان بعد انقلاب مرسي كشف المستور وجعل قوى الثورة تراجع كل قرارات مرسي، فظهر جليا أن الرئيس لم يكن رئيس مصر بل كان رئيسا لشعب الإخوان وأن كل الذين سبق أن عينهم على رأس بعض الهيئات العامة لم يكونوا إلا من الإخوان، وأن المخطط أكبر من أن يقبلوا فيه بالاحتكام إلى صناديق الاقتراع، فكان النزول من جديد إلى الميدان من أجل الإحاطة بالإعلان الدستوري ودستور الإخوان، كل رموز الثورة انتفضت وعادت إلى الإعلام لتصرخ ضد دستور يضرب استقلالية سلطتي القضاء والإعلام، قنوات مصر التحفت السواد وأكثر من ثمان يوميات احتجبت عن الصدور رفضا لإملاءات دولة الرئيس مرسي.
ابتداء من الثلاثاء، هددت رموز الثورة في الميدان بالدعوة إلى إسقاط الرئيس وتنصيب مجلس رئاسة مدني تحت رئاسة الدكتور محمد غنيم وعضوية المرشحين السابقين للرئاسة الذين حازوا على أكثر من مليون صوت للواحد وفي مقدمتهم، حمدين صباحي وعبد المنعم أبو الفتوح وعمرو موسى، فيما اختار رئيس جبهة الإنقاذ محمد البرادعي إلى جانب حزب الوفد الاستمرار في الاحتجاج المفتوح حتى إسقاط الإعلان الدستوري وتأجيل الاستفتاء على الدستور إلى حين الوصول إلى دستور متوافق عليه بين القوى الأساسية في البلاد.
فأين يكمن الخلل في مرسي أو في الإخوان؟
مرسي يقول لا تراجع عن الإعلان الدستوري ولا عن الاستفتاء على الدستور، والإخوان على الأرض يتكلفون بالباقي، محاصرة السلطة القضائية، منع أعضاء المحكمة الدستورية من الاجتماع، تحرير محيط القصر الجمهوري، الاعتداء على الصحفيين وتأديب المعتصمين... فهل باقي الأقطار محصنة ضد دكتاتورية الإخوان؟ ففي تونس تصريحات رئيس الوزراء الجبالي حول أحداث سليانة وقلبه راشد الغنوشي حين استقباله للإخون السلفيين كما نشر في تسجيل يظهر حقيقية ما يضمره الإخوان للدولة التونسية.
الإخوان في كل مكان لا يتراجعون عندما يتخذون قرارا، ففي القاهرة وسليانة وبن غازي تغيب الديمقراطية ويحظر الفكر الواحد ويعشعش إقصاء الآخر حتى ولو كان أكثر من نصف الشعب.
ففي المغرب نسمع منطقا مشابها من قبيل "انتهى الكلام" كما حدث مع وزير العدل والحريات الذي أمر بالاقتطاع من أجور المضربين، ورغم أن أكثر من قطاع اتخذ نفس القرار في الجماعات المحلية وقطاع الصحة وغيرهم من القطاعات، وحده وزير العدل والحريات هدد بتقديم استقالته في حالة عدم تنفيذ الأمر بالاقتطاع.
كلهم مرسي تتبدل فقط الأسماء، وهناك مصطفى الأول مرسي، وعبد الإله مرسي، ومصطفى الثاني مرسي، ومرسي الجبالي ومرسي بلحاج، كلهم مرسيات تتبدل الأسماء الشخصية وحدها كنية مرسي لا تتبدل، كلهم مرسي الكامنة دكتاتوريته إلى حين.
مرسي والذين معه وإن اختلفت الأقطار يريدون السلطة التي تمكن من التحكم في عقول ورقاب العباد من خلال القضاء والإعلام وهذا ما حدث في المغرب، فحتى قبل أن تظهر أنفلونزا تسلط مرسي ظهرت في المغرب قضية دفتر التحملات التي كان يراد لها أن تمهد الطريق من أجل استيلاء الإخوان على الإعلام العمومي من خلال الدفتر إلى حين تعيين المكلف بالدفتر.
أما في القضاء فكان التأكيد منذ البداية على استقلالية القضاء، لكن سلطة النيابة العامة تغولت أكثر من اللازم في الرباط التي تعاملت بخلفية سياسية مع بعض الملفات وأصبح الاعتقال الاحتياطي سلاح الحكام الجدد عوض أن يسود القانون محليا ولا شيء غير القانون بعيدا عن القانون السياسي المستأسد في الرباط في سلوك شبيه بسلوك مرسي شعاره "انتهى الكلام"، أما استقلالية القضاء واستقلالية النيابة العامة عن السلطة السياسية بتلاوينها في الرباط فهي استقلالية تترصدها المفتشية العامة التي تتحرك لتفسيرها في هذا الاتجاه أو ذاك كلما كان للمحيط قرار لم يعجب المركز الحاكم بأمر النيابة العامة.
مرسي بعنهجيته أدخل الآن مصر في النفق المظلم ويريد من القوى المعارضة أن تعطيه شيك على بياض وتصوت للدستور، وعندما يتم التصويت على الدستور تنظم الانتخابات وتمكنه أن يطلب من البرلمان القادم أن يعيد النظر في بعض مواد الدستور. إنها نفس العنهجية الإخوانية و" قصوحية الراس على الخاوي" التي تتحكم في تصرفات أكثر من وزير منذ تعيين حكومة الإخوان ناقص 3 في المغرب. ترى ماذا كان سيكون مصير المغاربة لو وصلت أنفلونزا مرسي حيث لا يجب؟
كمال قروع