|
|
وجهة نظر
أضيف في 24 شتنبر 2019 الساعة 42 : 00
وجهة نظر
لم تفاجئني الصور القاتمة التي نقلتها هواتف الأساتذة على شبكات التواصل عن الواقع المزري لبنايات المؤسسات التعليمية التي يشتغلون فيها على امتداد التراب الوطني. لأني عملت بهذا الميدان ومكنتتي مواقع عملي السابقة في عدد من الأقاليم من الاطلاع على هذا الواقع المر والبئيس بكثير من التفاصيل.
إن التعليم العمومي بالمغرب تكالبت عليه مافيات النهب والتخريب بشكل ممنهج ومقصود في إطار سياسات رسمية وضعت لهذا الغرض، ووظفت لها أطر خاصة تم انتقاؤها بمواصفات محددة؛ وذلك فقط لأن التعليم ضمير الشعب وعقله ووجدانه ووعيه. وأن ترويض هذا الشعب وتخديره واستعباده، وسلب إرادته، وتحييد قدراته، لن يتيسر إلا بمدرسة من هذا النوع وبأطر محطمة النفسية بين هموم الواقع المعيشي، وهموم المهنة، ومنهح تعليمي يكرس قيم الخنوع والإستسلام وثقافة الميوعة...، ومسؤولين لا يثقنون إلا تنفيذ التعليمات وفنون الكذب والسمسرة والرشوة، وطبخ الصفقات المشبوهة..
إن واقع تعليمنا اليوم، لا يقل تعاسة وبؤسا عن باقي القطاعات الأخرى، لأن إرادة التنمية والإصلاح مغيبة ومفقودة وهنا لا بد من القول: إنه من السهل القيام بكثير من الأمور لو توفرت فعلا هذه الإرادة لأن مشاكل التعليم ليست كلها مادية ومالية، لكن الظاهر وحسب تجربتي المتواضعة، أن القائمين على التعليم يصرون على هدر القيم المعنوية بنفس القدر الذي يهدرون فيه الإمكانيات المادية والمالية، وهنا أذكر ما قاله لي أحد المديرين الجهويين عندما حاولت أن أقنعه أن تعليماته التي طلب مني أن أنفذها آنذاك ستضر بالمصلحة العامة وستعرقل سير العمل.، أجابني سيادته " ومن قال لك إني حريص على أن يسير العمل بشكل طبيعي" وأضاف" إسمع يا رئيس المصلحة المحترم بيع واشتري مع الناس إنك لست عمر بن الخطاب".
هذا فقط مثال واحد عن نوع المسؤولين الذين تناط بهم مسؤولية النهوض بقطاع التعليم وتدبير الجهوية والأمثلة كثيرة لا يتسع المجال للخوض فيها.
فحتى هذا التوجه نحو تبني الجهوية في التدبير لم يكن قرارا مدروسا، واختيارا سياسيا من أجل تنمية جهوية حقيقية، بل هو تصدير لأزمة مركزية نحو الجهة بعد أن عجز المركز على إيجاد الحلول للأزمات التي تراكمت عليه. كمن قرر أن يضع القنبلة في يد غيره قبل أن تنفجر عليه .
إن التنمية الحقيقية كما تبين تجارب الشعوب المتقدمة لا تتم بغير التعليم، والتعليم العمومي بصفة خاصة، ولذلك فإن ما نراه ونسمعه حاليا من المسؤولين عن خطتهم المستقبلية في ضرب مجانية التعليم، وتشجيع التعليم الخصوصي في الأوساط القروية لهو ضرب لما تبقى من مقومات هذا القطاع، وهو ما ينذر بكارثة حقيقية ستأتي على الأخضر واليابس، ولن يسلم من تبعاتها أي طرف كما يقول المثل العامي:" لا من باع القرد ولا من ضحك عليه"
إن التعليم العمومي هو ملك للشعب واستمرارية مجانيته مكسب للشعب وكل من يحاول سرقة هذا الإرث، أو تخريبه هو عدو لهذا الشعب، لا يجب السكوت عنه بل تجب وقاومته بكل الوسائل المشروعة إلا إذا فضل الشعب أن يتآمر على نفسه فهذا أمر آخر غير مسبوق.
بقلم/ ذ. المصطفى توفيق
|
|
|
[email protected]
التعليق يجب أن يناقش موضوع المادة
|
|
|