الداودي: ضد الفنانين، الأدباء والمفكرين
كلام هذا الرجل صائب إذا زعم أننا لا نقوم بالبحث العلمي في الجامعات المغربية، ولكن هذا مرتبط أساسا بعدم التشجيع من طرف وزارته، لا يوجد أي تحفيز، أي جائزة مهمة، أي تصور، أي جدية، أي رؤية واضحة، عدم المواطنة الحقيقية (كلنا مغاربة ومغربيات)، الإرتجال، الزبونية والقبلية السلفية هي التي تتصرف، تجول وتصول، صاحبة القرار "ومولات الـدّار".
الجدل بين عالم الحروف (الآداب والفكر) وعالم الأرقام (العلوم)، ليس بوليد البارحة ولكن أمر معروف ومكشوف منذ القدم، من المحتمل أن سعادة الوزير توصل أخيرا فقط بهذه المعلومة، ولكن يبدو لي أن فكرة حجب، تغييب وحظر "الآداب" من الجامعات المغربية إذا صح ما راج في بعض اليوميات المغربية، يدخل خانة المزايدة السياسة فقط وليس قائما على أسس موضوعية، معقولة وسليمة. وإلا كان ملزما بإفراغ الدولة من مؤسساتها وإغلاق جميع المرافق والمجالات أين تسود فيها الحروف وليس الأرقام، ومن ضمنها وزارة التعليم العالي والإبتدائي، كما كان ملزما بتسريح الوزراء الآتية أسماؤهم: سعد الدين العثماني، محمد العــنـصر، أحمد التوفيق، مصطفى الخلفي، محمد أوزين، عبد الصمد قيوح، لحبيب الشوباني، محمد أمين الصبيحي إلخ، وزارات "عالم الحروف" بامتياز.
كما سيتوجب عليه إغلاق "معهد الثـقافة الأمازيغية"، الأكاديميات المغربية، المتاحف، المكتبة الوطنية، جميع مكتبات المغرب، المحاكم، المساجد، المجالس العلمية، قنوات التلفزيون، الإذاعات، دور النشر، الوكالة المغربية العربية للأنباء، الجرائد، البعثاث الأجنبية، وحظر مهرجانات الأغنية المغربية، العربية، الأمازيغية الصحراوية والعالمية، ومنع "درْديـكات" أحواش، احيدوس، السنيما، المسرح إلخ ... حتى عم الجهل المقدس.
مجتمع المعرفة يرتكز أساسا على الحروف، اللغة، قبل الأرقام، جميع الدول المتقدمة ليست مبنية فقط على الأرقام، ولكن على قيم، تصورات، أخلاق وأفكار معينة. وظيفة الأرقام والعلوم: التحدي، الآداب والفكر: الأجوبة، التأطير، التنظير، التنوير، التوجيه، التأريخ، التوثيق وحفظ الذاكرة الجماعية، "العلوم الأدبية" مرتبطة دوما بالثقافة، الحضارة والهوية، وكيف تتم أواصر الصداقة، العلاقات بين الشعوب؟ بالطبع عن طريق الحروف، يعني اللغة، اللغة مفردات، أصوات، أسماء، أحلام، أفكار، تـصورات، يمكن اعتبار اللغة، يعني الحروف، أهم أداة قصد التطور الثـقافي، المعرفي والحضاري، هي مرآة الأمة برمتها.
لعالم الحروف تأثير بليغ على الدولة، السياسة، النظام السياسي، الإقتصادي، المجتمع، القيم الدينية، التشريع، وإذا تصفحنا الجرائد أو الأسبوعيات سنكتشف أنها تعج بهذه المواضيع التي تأثـث حياتنا اليومية.
الأدباء والمفكرون يقدمون لنا شروحات خاصة بالبارحة، اليوم والمستقبل، التقـنيون يجمّـعون المعلومات، وما هو قاسمنا المشترك إن لم تكن الحروف، المرتبطة هي الأخرى بالذاكرة الجماعية، الثـقافة و جميع أدوات التواصل.
بدون "عالم الحروف" والعلوم الأدبية، هي في العمق علوم إنسانية، لما تطورت قواعد السياسة، القانون، الإقتصاد، الحرية، الديمقراطية، يمكن اعتبارها الوعاء الهوياتي للشعب المغربي. أخصائيو عالم الحروف هم الذين سيتصدون لتحديات المستقبل، ليس علماء الأرقام. سنكون دوما في حاجة ماسة إلى علماء الحروف، الأدباء، المفكرين والوسطاء، عالم الصحافة، لكي يقدموا لنا نماذج فكرية، شروحات، مقاربات خاصة بالمجتمع المدني، الديمقراطية، الحرية، الكرامة، العدالة، التعايش، التسامح، نقد التاريخ والمجتمع إلخ، وهذه الأسئلة ضرورية: "ما هو مستقبل المغرب؟"، "متى ستفتح جارتنا الحدود، وما هي التكلفة السياسية؟"، "من هو غـنوشي المملكة؟"، "ما هي مآل التعدد اللغوي؟" عالم الحروف والآداب جزء لا يتجزء من حياتنا المعاصرة، فى حالة ردم ثراتنا، آدابنا، تاريخنا، حضارتنا، وجداننا، سنسلك نهج الطالبان الذين قاموا ببتر تاريخهم، حضارتهم من مده البوذي في القدم.
المجتمعات المتخلفة، الجامدة والأنظمة غير الديمقراطية والديكتاتورية هي التي تقوم على إقصاء "عالم الحروف"، الآداب والفكر، لأنه يزعجها، يربكها وتضيق منه درعا.
د. مراد عــلــمي