|
|
رغم مجهودات الدولة!
أضيف في 10 فبراير 2019 الساعة 42 : 14
رغم مجهودات الدولة!
تعتبر عبارة "رغم مجهودات الدولة"واحدة من أشهر العبارات المتداولة في المنهاج الدراسي المغربي التي تستهل بها خاتمة أي درس جغرافي في مدارسنا، فبعد الحديث في بدايات الدرس عن التحديات التي يواجهها المغرب طبيعية كانت أو اقتصادية أو سياسية، يتم التطرق إلى إجراءات الدولة لمعالجة المشاكل ولا بد هنا من إظهار أثر تلك الإجراءات بعدد من الإنجازات الجزئية، ولأنه لا يمكن إخفاء شمس الواقع الحارقة بغربال الدعاية الرسمية المهترئ، فيجب إقفال الدرس بالاعتراف بالحقيقة والإقرار بالفشل مع تبرئة الدولة ومؤسساتها وتحميل المسؤولية لإكراهات أكبر منها ومن إمكاناتها.
هذه باختصار هي هيكلة دروس مادة الجغرافية النمطية التي لم تتبدل رغم تغير المناهج ورغم المستجدات التربوية الهائلة، والتي لا تهدف فقط لإبعاد تهمة التخلف عن سياسات الدولة، فهي كذلك ترسيخ لفكرة التعايش مع الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد على سوءها لدى الناشئة، والاقتناع بأنه ليس بالإمكان أفضل مما كان وأن تخلفهم قدر مقدر عليهم بسبب "لعنة الجغرافية"وشح الموارد وكذا فساد عقلياتهم.
الحقيقة أن ما يلقن للتلاميذ عبر المناهج الدراسية هو جزء من الدعاية الرسمية التي تسلط على المواطن المغربي من صباه إلى شيخوخته في المدرسة وفي الإعلام وفي غيرهما من وسائل الضبط المخزنية، حيث تخلق فيه يأسا مركبا من التغيير، فتقنعه بأنه غير أهل لأن يعيش حياة كريمة فبالأحرى لأن يتطلع لتحقيق الرفاهية، فهو عالة على الدولة التي تمن عليه بخدماتها الرديئة أصلا.
كل هذا انعكس سلبيا على المجتمع المغربي ردحا من الزمن، فأصبح كل فرد منه يندب حظه العاثر الذي أدى به للانتماء إلى هذه الرقعة الجغرافية ولايتطلع إلا إلى ما وراء البحار أملا باللحاق بالفردوس هناك، لينخرط بعد ذلك في جلد الذات فيغض الطرف عمن يحتكر الثروات وينهب البلاد ويذل العباد، ويلخص المشكلة في ذلك الرجل الذي يرمي القمامة في مكان عام ليحمله مسؤولية كل مآسي تخلفه أو في غيرها من الظواهر السلبية السطحية، ليخلص أن عقلية الشعب هي السبب الحصري في ما تعيشه البلاد من نكبات، وهو بذلك لا يستحق الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.
لا ننكر أن المجتمع المغربي يتحمل جانبا مهما من المسؤولية فيما هو فيه، غير أن أسلوب الهجاء الذي يتعرض له لن يقدم ولن يؤخر، فهو يكرس الصورة التي يريد النظام المغربي ترويجها أي تحطيم معنويات الإنسان المغربي من جهة ومن جهة أخرى إظهار الإنسان الغربي وحتى الياباني بمظهر الإنسان الخارق ما يجعل من تخلفنا ومن تقدمهم حتمية لا انفكاك منها.
طبعا هذا المنطق كان سائدا في وقت من الأوقات عند معظم دول العالم الثالث إلا أن العديد منها قد تخلص منه بعد أن تجاوزوا عقدة المستعمر مبكرا وأفلحوا في دحضه على أرض الواقع، فاستطاعوا النهوض ببلدانهم بل إن منهم من فاق مستعمره أو يكاد، بما يعني أن الحديث عن "البون الشاسع بيننا وبينهم"ما هو إلا مكبل ذاتي يلجمنا كانت تضعه أمامنا السلطة حتى تبرر إخفاقاتها المتكررة.
عموما فإن الصورة بدأت تتضح وما كان مستساغا بالأمس ما عاد مقبولا اليوم بعد ارتفاع منسوب الوعي الشعبي بالحقوق، غير أن السلطة لا تزال بعيدة عن إدراك هذه المتغيرات المحلية وكذا الدولية، وهو ما انعكس في عجزها عناستلهام دعاية جديدة قادرة على تبرير ممارساتها الشيء الذي عجل بانكشاف وجهها القمعي السافر.
بقلم/ أنس السبطي
|
|
|
[email protected]
التعليق يجب أن يناقش موضوع المادة
|
|
|