ارفالة/أزيلال: حينما تمسي محنة الماء الشروب سببا في الهدر المدرسي؟؟
على شريطها الفاصل بين عمالة ازيلال وبني ملال ، وعلى امتداد مساحة واسعة بجانب الطريق الوطنية الرابطة بين الإقليمين المذكورين، تضم "جماعة ارفالة"( دُورا سكنية)، أقل ما يمكن أن يُقال عنها، أنها تعيش وضعاً مأساويا بامتياز، في غياب إجراءات تدبيرية شفافة وملموسة.
هذه الدُّور المتناثرة، على امتداد هذا الدّير، عانت ما فيه الكفاية ،سواء مع طلباتها المتكررة سابقا، من أجل ربطها بشبكة الكهرباء،التي بقيت ولسنوات عدة معتقلة بين أرشيف المجالس المتعاقبة، حتى مجيء المبادرة الوطنية، التي تم تنفيذ بنودها على ارض الواقع ، بشهادة الكثيرين، كُرها لا طواعية، أو مع محنتها حاليا مع الماء الشروب، الذي أمسى مطلبا ضروريا لكافة المواطنين ،خصوصا بعدما تحول إلى عائق حقيقيي أمام متابعة الدراسة لمجموعة من الأطفال ،الذين تحولوا إلى "عمال صغار"، وظيفتهم جلب المياه من الآبار والعيون المتواجدة بالجبال المحاذية للدير. وهي المحنة أيضا ،التي ازداد مفعولها مع تصريحات بعض المسؤولين الذي قطعوا حبل "الأمل "أمام السكان، بدعوى أن هذه المناطق يصعب معالجة مطلبها الاجتماعي هذا، لاعتبار بسيط، وهو أن تكلفة شبكة المياه بهذه المناطق السقوية، تتطلب أكثر مما تتطلبه تجمعات سكنية بحالها .
إن تصريحات من هذا النوع ،قد لا تزيد الأمر إلا تعقيدا،خصوصا إذا ما وقفنا على وضعية هذه الأسر، التي تشير أن أفضلها حالا، من تتوفر على أطفال صغار، قادرين على القيام بهذه المهام ،والتي هي بالمناسبة مهامّ ارتبطت في عرف هذه القرى ب "تقليد" لا يتكفل به في غالب الأحيان إلاّ الأطفال ، الذين يسرقون لحظات أوقات فراغهم للتوجه على الدواب نحو النقط المائية بالجبل ،لملأ قارورات قد لا تكفى الأسرة ليوم واحد، مع انتظارات قد تفوق توانى الساعة الواحدة بسبب قلة صبيب المياه ، وذلك ما يزيد من الهدر المدرسي كما اشرنا سالفا...
أما الأسر، التي لا تتوفر على أبناء صغار، ويكون أفرادها مشغولون باهتمامات أخرى، يستحيل التخلي عنها يوميا ، فإنها ،تعيش على إيقاع معاناة يومية حيث تخضع للأمر الواقع، وتجعل من القناة المائية التي تنبع من سد افورار في اتجاه واد العبيد، مرورا بتراب الجماعة، ينبوعها الأوحد والوحيد بدون آليات للتنقية وبدون إجراءات وقائية..، بالرغم مما تحمله مياهها من أوساخ ،وحيوانات نافقة ،ومياه عادمة لأغلب الدواوير، التي تتواجد على امتدادها ، ك "تخصايت" و"أولاد مبارك" في أرفق الأحوال و"أولاد عياد" في أسوئها، بما أنها تجعل منها ،أمام أعين السلطات ومنظمات المجتمع المدني والرأي العام، محطة للنفايات ومصبّا للمياه المستعملة ، ووجهة لتصريف مياه الواد الحار،وفضاء للاستحمام خلال الصيف...
والأسوأ في كل هذا ،أننا لم نسجل يوما خلال كل هذه السنوات، تدخل جهة معينة، لتحسيس السكان بمخاطر هذا التلوث المائي وبآثاره السلبية على جسم الإنسان على الأقل كخطوة مرحلية في أفق إيجاد حلول واقعية كفيلة بتصحيح الوضع وإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
وعلى عكس ذلك وعوض نهج أسلوب التحدي ،و التفكير في كيفية تجاوز اكراهات هذا الواقع،اختار المسؤولون، الاختباء وراء مصطلحات الهشاشة ،والفقر، وكافة المفاهيم التي تُرخص لمدبري شأننا الركون والانتظار وراء توصيات، ووعود فوقية قد تأتي أو لا تأتي.والى ذلك الحين،وتحث يافطة هذه الاكراهات المادية، لابد من الإشارة ، أن جماعة ارفالة،حيث تتفاقم يوما بعد يوم محنة هؤلاء الناس مع الماء الشروب ، تتوفر ألان على صهريج مائي تم تشييده منذ حوالي ثلاث سنوات، لكنه لازال موقوف التنفيذ بدعوى أن الجماعة تعاني من هذه الاكراهات ، ولا تتوفر على دعم مالي كافي لإمداد السكان بشبكة الربط ،وذاك في الواقع مبرر لا تستسيغه الساكنة أمام هول معاناتها وأمام وجود حلول مرحلية قد تتجاوز هذا العائق المالي،خاصة في الظرف الحالي حيث باب عقد الشركات أمسى أمرا، لا غنى عنه، أمام تنفيذ مثل هذه المشاريع على ارض الواقع.
ولذا يعتبر السُّكوت عن آلام هذه الساكنة في تخريجات العديد من المتتبعين، جريمة في حق الإنسانية، لأنه في الوقت التي أمست فيه بعض العائلات ترفض استعمال مياه المكتب الوطني للماء الصالح للشرب، بدعوى عدم استيفائه للشروط الصحية، وتتفنن في اختيار المياه المُعبّأة ذات الجودة العالية ،نجد هذه الأُسر تبحث بين "برك" هذه القناة عن حفنة ماء بغض النظر عن مصدرها أو طبيعتها ،لا لشيء إلا لأن مسئولينا، لا تستسيغهم مثل هذه الملفات الاجتماعية العالقة،إلا في الحملات الانتخابية حيث تتحول إلى مادة خصبة لشعارات محمومة، كثيرا ما تجعل السكان لقمة سائغة بفعل ثقل المعاناة.
بقلم: حميد رزقي