الشاعرة السودانية منى حسن في حوار ل: "لأزيلال الحرة "
ما كُتب من شعر الثورات لم يأت بحجم اللحظات التاريخية التي جرت في الوطن العربي
ما من شك في أن الشعر ديوان الأمة، ومحرك الشعوب، والضمائر، أكبر شاهد على ما تغنت به الشعوب العربية في ميادين ثوراتها، فعبروا عن إرادتهم للحياة بما حفظوه عن ظهر قهر من نزيف قلم الشابي في تونس، وعبروا في التحرير عن رفضهم للدكتاتورية بما تغنى به أحمد نجم ودرويش ومطر وغيرهم من كبار شعراء العربية، بهذه العبارات، تبصم الشاعرة السودانية منى حسن محمد همها وانشغالها الشعري بما يجري في الوطن العربي من المحيط إلى الخليج، ولهذا الإنغماس الروحي والوجداني للشاعرة منى، استضافتها خلال الأسبوع الثاني من شهر أكتوبر الجاري العديد من المؤسسات والمنتديات الفكرية والأدبية وبعض القنوات الأردنية ومنها على الخصوص "القناة الأردنية" الرسمية وقناة "نورمينا" وقناة "رؤيا"و قناة" الثقافية السعودية"، كما استضافها منتدى الفكر العربي، وجريدة الدستور وفرع رابطة الكتاب الأردنيين في أربد، واتحاد الكتاب الأردنيين. ورابطة الكتاب الأردنيين في عمان، وجامعة البترا التي وشحتها بدرع الجامعة تكريما لعطائها المتواصل، وحسها المرهف للقضايا الإنسانية العربية والكونية. أيضا، شاركت خلال إقامتها هذه في العديد من الأمسيات الشعرية، نالت إعجاب الحضور وتنويههم بسحر القصيد لدى الشاعرة الشابة منى حسن محمد، التي لم يدر في خلدها ذات يوم أن تكون شاعرة، بحسب تعبيرها، لكنها كانت تغرق ومنذ نعومة أظافرها في الجميل من الشعر، وبرأيها تنظر إلى الشعر على أنه وجبة قلب وترنيمة روح.
على هامش هذا النشاط الشاعري المكثف لشاعرتنا بالأردن، والتفاف كل الأطياف الأدبية والفكرية والإعلامية حول الشاعرة منى حسن محمد، اقترحت عليها نقل هذا الحضور القوي والمتألق للشاعرة من المشرق إلى المغرب ولو في إطلالة بوحية، قد لا تشفي غليل النسيج الأدبي والفكري والشعري تحديدا في المغرب من خلال الحوار التالي، ولكن قد تعطي انطباعا أوليا على نفحات شعرية للشاعرة منى حسن محمد.
** في مستهل هذا اللقاء أود منك إطلالة على الإرهاصات الشعرية الأولى في مخيال الشاعرة منى حسن محمد، متى دق نبض القصيدة فيك وورطك أول الأمر في أيقونة سراديبها ؟
- · عشقت الشعر منذ أول إبحار لي في عوالمه الجميلة كقارئة، حيث شدتني قراءة الشعر منذ طفولةِ أحلامي، ذلك أن والدي – رحمه الله - كان يحب الشعر ويتغنى به كثيرا، وكتبتني القصيدة لأول مرة حين كنتُ في الصف السادس الابتدائي، ومن يومها وأنا أسافر في مدى القوافي، بحثا عن قصيدةٍ لم تُكتب بعد.
** مستنبت الشعر في السودان طبيعي خلاق وولاد، وطبيعي أن يزهر لنا وردة شاعرية متميزة بعبقها وبجميل طلتها الشعرية، وبتفرد مخيالها وغوص كلمها في ما يشهده الكون من إعصار هائج مدمر لكل ما هو جميل، ما قولك في جنان الشعر بالسودان، وهل لها من تأثير في مسارك الشعري والأدبي عموما؟
- · أرض السودان خصبة، وولادة كما أسلفت، والشعر بالسودان بخير، لأن بلدا أنجبت المحجوب وعبد الله البشير والفيتوري وغيرهم من كبار شعراء العربية لا بد وأنها بلد شاعرة، تسقي كل من تعشَّقٍ القوافي من أبنائها من معين شعرٍ لاينضب.
** نظمت قصائد حول فلسطين وحول ما يجري في سوريا الآن من دمار يومي للإنسانية والحضارة العربية والإسلامية، كيف تجد الشاعرة منى حسن محمد نفسها وإحساسها كشاعرة أمام هذا الدمار؟
رُبما زاد التجني في ابتعادِ الشعرِ عنِّي
وهروبِ القلبِ مِنِّي نَحْوَ آفاقِ التَّمَنِي
أنْ يَعُودَ الحَقُّ يوماً حاملاً ما ضاعَ مِنِّي
مِنْ كَرَامَاتٍ وَعِزٍّ وَقَصِيدٍ لِي يُغَنِي
** وارتباطا بما سلف، هل في نظرك أن القصيدة العربية قدمت خدمات جليلة للثوار العرب الذين اصطفوا منتفضين ضد الظلم والقهر والاستبداد من المحيط إلى الخليج؟
- · ما من شك في أن الشعر ديوان الأمة، ومحرك الشعوب، والضمائر، وأكبر شاهد على هذا ما تغنت به الشعوب العربية في ميادين ثوراتها، فعبروا عن إرادتهم للحياة بما حفظوه عن ظهر قهر من نزيف قلم الشابي في تونس، وعبروا في التحرير عن رفضهم الدكتاتورية بما تغنى به أحمد نجم ودرويش ومطر وغيرهم من كبار شعراء العربية، ولطالما أثرت الكلمة سواء كانت شعرا أو مقالا أو نثرا أو حتى مجرد عبارة في مصائر الأمم، ومجريات التاريخ.
** ألا تتفقين معي في أن الأدباء العرب المعاصرين لم يكونوا في مستوى ما قدمته لهم الثورات العربية الحالية، وأنهم قد تخلفوا عن الركب، وسجلوا بصمة يتيمة في سجل التاريخ العربي المعاصر؟
- · الكثير مما كُتب من شعر الثورات لم يأت بحجم الأحداث واللحظات التاريخية التي جرت في الوطن العربي، وذلك بسبب محاولة الكثير من الشعراء الكتابة رغم أنف الشعر، وعلى حساب القيمة الشعرية، والاهتمام بالكم دون الكيف حين كتابة الشعر، ومقارنة مع ما قاله الشابي قديما وغيره من كبار شعراء العربية من تنبؤات شعرية بالثورة، نجد أن الكثير مما قيل في هذه الثورات – مهما اختلفت آراؤه- ضعيف نوعا ما فنيا وأدبيا، مقارنة بالجيد منه. أنا عموما ضد شعر المناسبات، سواء ثورية أو غيرها، لأنه يقتل الشعراء ذلك أن القصيدة تُقدم المرجو منها حين تأتي عن صدق ولحظة شعر حقيقية تكتب لها الخلود على صفحات الذواكر والتاريخ.
** لا تكادين تحطين الرحال في وطن (...) تلقي فيه من جميل شعرك، حتى يحضنك وطن آخر(...) رغبة من الجميع في أن يستمتع بأجود بوحك الشعري وأنت التي لست ممن يخطط لكتابة الشعر، ولا لاستدعاء القصيدة، لكنك تترقبين أزيزها، أو حفيفها، أو مصافحتها، بحسب تعبيرك ، ما سر هذا الحب المتواصل،الذي أتمنى له الدوام، وكيف وجدت الشعر في هذه الأوطان....؟
- · ما من سرٍ سوى حبنا للشعر، الذي جمعنا على مائدة لقاءاتٍ جميلة، نسأل الله أن يجعلنا من المقبولين، المحبوبين في ملكوته وعلى أرضه. وجدت الشعر محتفىً به، من مغرب الحلم العربي لمشرقه، فبينما يفاجئك الشعر الجميل، والاهتمام باللغة العربية لدى الشعراء –خاصة الشباب منهم- في الجزائر، يحتضنك الجمهور المثقف المحب للشعر في الأردن، من شعراء وأدباء وكتاب، ومثقفين، مما يطمئننا أن الشعر ما زال بخير، وأن المشهد الشعري العربي يشهد نهضة وصحوة حقيقية.
** أي الشعراء تأثرت بهم، وهل من شاعر مميز كان أول من فتح أصداف الشعر وجس نبضه فيك؟
- أنا ضد أن يكون للشاعر شاعر بعينه يتأثر به، ويكون مرآة عاكسة عنه، الشعر موهبة فطرية تولد مع الشاعر، والظروف المحيطة به تلعب دورا كبيرا في تنميتها وتطويرها، وأبرز هذه الظروف الاحتكاك بالتجارب الشعرية الأخرى، وحصر الشاعر لتجربته في فضاء شاعر معين مضر بصحة الشعر. أنا أقرأ كل ما هو جميل من الشعر، يشدني الجمال في كل المدارس والتوجهات الشعرية، وربما كان تأثري الكبير هو بمحبة والدي رحمه الله للشعر، والتي أيقظت الشاعرة بداخلي، وأفاقت رؤى الإلهام في قلمي.
** تكتبين عن الأم وعن أمك بالتحديد، هلا حدثت قراءك عن سر هذه العلاقة الحبلى بالحب والاعتراف والتيمن بأقدام الجنة؟