|
|
ماذا حقَّقت الحربُ العالميةُ الأولى حتى يُحتفى بذكراها المئوية؟
أضيف في 23 نونبر 2018 الساعة 32 : 15
ماذا حقَّقت الحربُ العالميةُ الأولى حتى يُحتفى بذكراها المئوية؟
إنّ الرئيس الفرنسي [ماكرون] حائز على ديبلوم في التاريخ، لذا تراه ومنذ وصوله إلى قصر [الإليزي] وهو يحرص على الاحتفاء بذكريات كزيارة (الإمبراطور الروسي) لفرنسا، واستدعائه للرئيس [بوتين] سنة (2017) لإحياء ذكرى لم يسبقْ لأيّ رئيس فرنسي أن احتفى بها لانعدام أي تأثير لها على مجرى التاريخ؛ ثم بعد هذا الاحتفال بذكرى زيارة الإمبراطور [بُطرس الأكبر] المنسية، استدعى [ماكرون] الرئيس [ترامب] سنة (2017) لزيارة [باريس] لتخليد ذكرى مشاركة الجيش الأمريكي بقيادة الجنيرال [بيرشينغ] في الحرب العالمية الأولى في سنتها الأخيرة، وما كانت أمريكا لتشاركَ في هذه الحرب بعد الحياد الصّريح الذي اتّخذتْه لولا أخطاء بعض القادة الألمان الذين جعلوها تغيِّر رأيها في السنة الأخيرة من الحرب العالمية الأولى، ومن أهم هذه الأخطاء الألمانية، خطَآن بارزان، أوّلهما إغراقُ الألمان لسفينة ركّاب أمريكية وهي [لوزيتانيا] يوم (07 ماي 1915) في عرض المحيط الأطلسي؛ والخطأ الثاني هو تحريض الألمان للمكسيكيين على حرب الأمريكان مع إظهار استعداد ألمانيا لمساعدة المكسيك على استرجاع ما اغتصبته أمريكا من أراضٍ مكسيكية؛ وهكذا أعلنتِ الولاياتُ المتحدة الحربَ على ألمانيا في (02 أبريل 1917).. والرئيس الأمريكي [ترامب] لا يهتمّ بالتاريخ، وليس له ميولٌ نحو هذه الدراسات التاريخية، لأنه رجلٌ [بيزنيس مان] ولا يعرف كيف يقلِّب أوراقَ المراجع، وإنّما يتقن عدَّ الأوراق النقدية، ولا يهمّه الماضي وما جرى فيه، بل يهتم بالمستقبل وما يكسب فيه، وغالبيةُ حكّام اليوم هم على شاكلته.
وحتى [ماكرون]، فهو يهتمّ بالتأريخ كأرقام، لا بالتاريخ كأحداث، فالذي يهمّه ليس هو الحرب العالمية الأولى، بل المهم بالنسبة له هو (11 نونبر 1918) أي نهاية هذه المجزرة العالمية التي خلّفتْ (10 ملايين) قتيل، و(20 مليون) جريح ومعاق، وانهارت أربع إمبراطوريات عريقة وهي الإمبراطوريات: (العثمانية؛ وهنغاريا ــ النمسا؛ وروسيا؛ وألمانيا)، وكان هذا هو الهدف من إشعال نيران هذه الحرب التي كانت خلْفَها أيادٍ قذرة تُذْكيها، حيث كانت يد تُذْكي إفرانات النار في ألمانيا، والنامسا، وتركيا، ويدٌ أخرى تُذْكي نيرانَ إفرانات روسيا، وفرنسا، وبريطانيا، ودُويْلات مجاورة هنا وهناك؛ ونحن نسأل الرئيس [ماكرون]: [ماذا حقّقتْ هذه الحربُ، حتى استحقّتْ أن يُحْتفى بذكراها المئوية، وماذا سيستفيد العالمُ من إحياء ذكراها؟].. يجيب على هذا السؤال أديبٌ فرنسيٌ كبير، كان جنديَ مشاة في خنادق الموت والقذارة في غرب (فرنسا)؛ وبعد الحرب، أصبح مشهورًا، ونال جائزةَ [نوبل] للآداب، وأعني به: [جان جيونو: 1895 ــ 1970]؛ يقول: [قالوا لنا إنّ هذه الحرب ستقتلُ الحربَ إلى الأبد، فصدّقناهم؛ ولكنّ هذه الحرب قتلتِ الإنسان، ولم تقتلِ الحرب].. فمن كانوا قادتَها وجنيرالاتِها؟ كان قادتُها في أبراج عالية يسْكبون الخمورَ الغالية ويدفعون بالجنود الفقراء، والحفاة العراة، الجياع، للهجوم في أرض مستوية، وموحِلَة، لينفّذوا خططًا عشوائية، فتحصدهم المدافعُ عن بكْرة أبيهم، وهو ما حدث مثلاً في منطقة [الصُّوم] حيث في أقلَّ من خمس دقائق لا غير، مات أربعة آلاف جندي بسبب تهوُّر الجنيرال [هيغ]، وبسبب رِخَصِ حياة الإنسان، حتى قال جنديٌ بريطاني صراحةً: [إنّ الجنيرال هيغ، يجب أن يُعْدَمَ ميدانيا لما فعله بأرواح هؤلاء الأبرياء].. ولذرّ الرماد في العيون استُبْدِل الوزيرُ الأول البريطاني (أَسَكْويت) بوزير أوّل آخر اسمه (لويد جورج) بعدما صار وزيرًا للحربية خلفًا (للورد كيتشِنير)، وهي حيلٌ سياسية لامتصاص غضب الشعب المغفّل.. كتبتْ صحافة الشعب عن المجزرة: [قضية أسود، بقيادة حمير]؛ والحمير لهم حيلٌ تمرّسوا بها للحفاظ على مناصبهم، وللإفلات من المحاسبة عندما تسقط أرواحٌ بسبب سياستهم العمياء..
نُفِيَ السلطانُ العثماني (عبد الحميد الثاني) إلى [صالونيك] ومات الإمبراطورُ [فرانز جوزيف] وصارت أملاكُه تباع في الخوردات؛ وأُعدِمَ القيصر [نيكولا الثاني] هو وأُسرتُه بطريقة وحشية.. أمّا قيصر ألمانيا [غيّوم الثاني] قد نفى نفسَه إلى [هولاندا].. وفي يوم الجمعة 02 1917 صرّح [بالفُور] وزير خارجية بريطانيا، بأنّ العزم معقود على خلْق دولة وطنية لليهود في [فلسطين] وجاء هذا التصريح قبْلَ (الوعد المشؤوم) ممّا يبرز أنّ النية كانت مُبَيّتة بل كانت من أهداف هذه الحرب القذرة التي يُحْتفى يوم (11 نونبر 2018) بذكراها المائة في (باريس) الأنوار، وبحضور (70 رئيس دولة ورئيس حكومة).. فماذا عساه يقول الرئيسُ [ماكرون] عمّا حقّقتْه هذه الحرب؟ حقّقتْ عدةَ أشياء، حيث دعّمتْ سيطرةَ أصحاب الأموال على قوت المستضعفين، وبدأ الحديثُ لأوّل مرة عن وطن لليهود في أرض العرب؛ وخضعتْ فرنسا وبريطانيا للشروط التي وضعها [اللورد روتشيلد] وزملاؤُه زعماء منظمات هدْم العروش، وهيّأتْ هذه الحربُ الشروطَ لبروز دول جديدة؛ وهكذا، برزتْ على الخريطة فجأةً دولٌ مثل [بولونيا، وتشيكوسلوڤاكيا، وأوكرانيا] وغيرها؛ واقتُطِعَت أجزاء من ألمانيا، وأُضيفتْ لدول أخرى، وفُرضت عليها عقوباتٌ تتمثّل في دفع سنويا مليار (دوتشمارك) ذهبًا، وفُرض عليها حصارٌ اقتصادي خانق، ممّا جعل الجنيرال الفرنسي [فوش] يقول للوزير اليهودي الفرنسي [كليمونصو]: [هذه مجرّد هدنة لن تطول أكثر من (20) سنة وليست سلامًا]..
بقلم/ فارس محمد
|
|
|
[email protected]
التعليق يجب أن يناقش موضوع المادة
|
|
|