|
|
أسوأ حادثة قطار عرفتها بلادُنا هي مأساة (سيدي يحيا) سنة (1974)..
أضيف في 29 أكتوبر 2018 الساعة 06 : 22
أسوأ حادثة قطار عرفتها بلادُنا هي مأساة (سيدي يحيا) سنة (1974)..
قد يخيّل للقارئ الكريم من خلال العنوان، أنّي سأتحدّث عن رواية للروائية البريطانية الشهيرة [أغاتا كريستي: 1890 ــ 1976]، وهي صاحبة رواية [جريمة سريع الشّرق]، التي تحوّلتْ إلى فيلم سينمائي؛ كلاّ! بل سنتحدث اليوم حول مأساة القطار رقم (09) الذي انحرف فجأةً عن خطّ السكة الحديدية في منطقة (بوقنادل) يوم (الثلاثاء 16 أكتوبر 2018)، حوالي الساعة العاشرة و20 دقيقة صباحا، مخلّفًا (07) قتلى، وعشرات الجرحى، من بينهم مَن هم إصاباتهم خطيرة ومحرجة.. هذه الحادثة تعبّر في الواقع عمّا وصل إليه المكتب الوطني للسكك الحديدية من تَردٍّ، وسوء الظروف، وما يعيشه السّككيون في صمت من حيف، واستغلال، وعبودية، وما آلت إليه الخدماتُ من سوء، وعبث، وإهمال، وعدم اكتراث، وإلاّ فعن ماذا تعبّر هذه الفواجعُ، إذا لم تكن تعبّر عن واقع مُزْرٍ، وظروف سيئة وتشير إلى أحوال مشينة؟! كان من واجب مدير مكتب السكك الحديدية السيد [لخليع] أن يقدّم استقالتَه فورًا، وبشكل حضاري، تمشيًا مع مبادئ الديموقراطية، ومع الأعراف الدولية، واحترامًا لأرواح الضحايا، بدلا من (التّبناد) في الشاشة، والإدلاء بتصريحات تافهة، والجراح تنزف، والدموع تنهمر بغزارة، والمغاربة في حداد، والاستقالة كسلوك حضاري، تجري في كافة دول المعمور، بلا استثناء إلاّ في هذه البلاد التي تسمّى المغرب، لماذا؟ لأنّ في هذا البلد، شيئيْن رخيصيْن، أوّلهما الإنسان، وثانيهما الزّمن؛ فكلاهما لا قيمة له..
قبل مناقشة فاجعة (بوقنادل) سوف نسأل إنْ كان المغرب قد عرف فواجعَ مماثلة، ونحن هنا لن نذكر شاحنة، أو جرّارا أو حافلة، أو سيارة، اصطدمت بقطار؛ فمثْل هذه الحوادث يتحمّل مسؤوليتَها السائقون الذين لا ينتبهون لعلامات تنبّه إلى تقاطُع الطريق مع خط السكة الحديدية، وهو ما يسمّى [Passage à niveau]؛ لكن الذي يهمّني هو حوادث تخصّ المكتبَ الوطني، ويكون الحادث مردُّه إلى خطإ بشري، أو إلى خلل تقني، ولا أثر فيه لأيّ تدخُّل خارجي.. قال السيد (لخليع) إنّه منذ (1993) لم يُسَجَّلْ أيُّ حادث قطار في بلادنا وقالتِ التلفزةُ الموقّرةُ إنّ حادثة [تمارة] سنة (1993) كانت أسوأ حادثة عرفتْها بلادُنا حيث اصطدم قطاران، وكانت الحصيلة (15) قتيلاً، وسقوط (100) جريح.. قُلْ كذبتُم والله؛ فما كانت هذه أسوأ حادثة عرفها المغرب، بل سبقتْها كارثة (1974) التي أودتْ بما يزيد عن (47) قتيلاً ومئات الجرحى في [سيدي يحيا] وأقيمت صلاةُ الغائب في المساجد، وتقاطرتْ على القصر الملكي، برقياتُ التعازي، من كافة بلدان العالم، نظرا لهول الكارثة؛ فكيف حدثتْ هذه الفاجعةُ التي نسوها أو تناسوها ولها ضحايا ومعاقون ما زالوا يُرزَقون في دنيا الله..
كان القطار السريع رقم [05]، واصطُلحَ عليه بين السككيين: [train (05)]، وبهذا الاسم اشتهر.. كان يربط (فاس ومرّاكش)، وكانت سرعتُه تفوق (110 كلم) في الساعة، نظرا لجودة الخط، وانعدام المنعرجات.. كان هذا القطار لا يتوقّف في المحطات الصغرى مثْل محطة [سيدي يحيا] أو محطّة [لقصيبية] أو.. ولكن يوم الإثنين، من أواخر أيام شهر أكتوبر (1974) قرّر [le régulateur]، وهو المنسّق لحركات القُطُر كافّة، قرّر أن يتمّ التقاءُ قطار السلع مع القطار رقم (05) في محطة [سيدي يحيا]، وهو ما يسمّى: [Report de croisement]؛ ففي هذه الحالة يجعل الرئيسُ المكلّف بأمن القطار [le chef de service] قُرْصَيْ [disque rouge] في وضعية إقفال من الجهتين، وهذا القرص يبعد عن المحطة بمسافة [1200] متر؛ وعلى سائق القطار ويسمّى [le mécanicien]، ومساعده وهو: [le chauffeur] أن يتوقّفا عند مدخل المحطة، ولا يدخلا إلاّ بأمر من رئيس السلامة [chef de sécurité].
لكنّ سائقَيْ [train (05)] تعوّدَا على أنّ هذا القطار لا يتوقف عادة في [سيدي يحيا] ولم ينتبها للقرص الأحمر الذي كان في وضعية (قفْ)، وظنّا أنّ السكة مفتوحة، ودخل القطارُ المحطةَ بسرعة فائقة، فوقعتِ الكارثةُ، وصارت العربات تدخل في بعضها، وتطحن مَن كانوا بداخلها من ركّاب؛ فأين من جثث مشوّهة، ورؤوس مقطوعة، وأطراف مبتورة، منها ما وُجِد مُلْقًى بين الأشجار المجاورة، وقد فقدتُ أصدقاءَ؛ أما أخي فقد نجا بأعجوبة، وعاش المغربُ تحت صدمة عنيفة. وإنّي لأتساءل عن إعلام أغفلَ هذه الحادثة التي لم تشهدْ بلادُنا مثيلاً لها، لا من قبل ولا من بعد، هذا مؤكّد. لكنْ إذا كانت هذه الحادثة الدموية المريعة في [سيدي يحيا] كان الأصل فيها خطأ بشريًا تماما، كما كان الخطأ البشري خلْف حادثة [تمارة] سنة (1993)، وهو ما يسمّى: [défaillance humaine]، فإنّ فاجعة (بوقنادل) (2018)، كان السبب فيها هو الخلل التقني، يعني [défaillance téchnique] نتيجة الإهمال، واللاّمبالاة، وعدم الاكتراث، وغياب الفحص والمراقبة الدورية الصارمة، ممّا يحتّم إعادةَ النظر في هذا المكتب، وإعادة هيكلته، وضخّ دماءٍ جديدة في عروقه، لأنه شريانٌ حيوي في البلاد، وقطاع منتج، بعكس القطاعات المستهلكة.. فالتغييرات ضرورية في هذا المكتب، لأن هذا الحادث المفجع له دلالاتُه، ويؤشر على أن أوضاع المكتب ليست على ما يرام، وظروف عمل الشغيلة مؤلمة، ومزرية، وعن فاجعة (بوقنادل) سنتحدث غدًا إن شاء الله..
بقلم/ فارس محمد
|
|
|
[email protected]
التعليق يجب أن يناقش موضوع المادة
|
|
|