الخطبة الثالثة / قصة قصيرة
بعد أن فاز بكرسي رئاسة جماعة القرية المنسية قرر أن يفي بالوعد الانتخابي الوحيد الذي قطعه على نفسه بالمسجد أمام ساكنة فقدت كل قوة لمقاومة قضمات زمان بئيس ثمل بجراح الفقر والجهل و المرض والتهميش و أشياء أخرى.
كان الحاج بوالو في تواصل مستمر مع السكان ... كان يقصد السوق الأسبوعي على متن دراجته النارية يخطب في الناس يبيع لهم حلما طفوليا ثم يعرج على المسجد يبيع لهم قصورا وماء زلالا وفواكه وجنسا لم ولن يوجد مثله على أرضهم الغبراء ...
عندما تسلم مقاليد المجلس القروي من الرئيس السابق وجد أمامه ملفات كثيرة تنتظر .. ملف المستشفى الذي لم ير النور بعد .. ملف قاعة الولادة .. ملف المدرسة ... ملف توصيل الدواوير بالماء والكهرباء ... ملف فك العزلة عن القرية .. ، لكن الحاج بوالو لم يأت لفتح أوراش كبيرة أو معالجة الملفات العالقة منذ استقلال البلاد بل جاء من أجل حلمه الشخصي.
مر أسبوع وشهر وشهران وثلاثة أشهر ولم يَفِ بعد الحاج بوالو بوعده ،ظن السكان أن الحاج لا يختلف عن أولئك الذين مروا من هنا ... كان يقف قبل كل صلاة جمعة على المنبر المهترئ يطمئنهم ويطلب منهم مزيدا من الصبر إلى حين يفرج المسؤولون الكبار عن ميزانية التسيير ولتطمئن قلوبهم دعاهم إلى تسجيل الأسماء التي ستستفيد من المشروع في اللائحة عقب الانتهاء من الصلاة.
كل المسجلين كانوا يربضون بمقر المجلس القروي يقرفصون أمام باب الرئيس وفي يوم خميس أغبر وقفت سيارة سوداء رباعية الدفع نزل منها الحاج بوالو واستعجل إخراج اللائحة من جيبه ونادى على أربعة أسماء من شيوخ الدواوير ،دعاهم بافتخار وأدب إلى ركوب السيارة التي انطلقت محدثة ضجيجا مهولا وغبارا حجب الرؤية .. بعد ساعة من الزمن عادت السيارة إلى مكانها وحملت مرة أخرى أربعة رجال فأربعة فأربعة ... تكررت العملية مرات عديدة وتكرر الركوب و النزول حتى أتى الحاج على كل الأسماء المسجلة في اللائحة .
كان يوم الجمعة الذي تلا اليوم الأغبر يوما خاصا واستثنائيا حيث صعد الحاج بوالو المنبر وخطب في الناس خطبة ثالثة بعد خطبتي الإمام قال فيها : " أيها الناس ...نحمد الله على نعمه التي لا تعد ولا تحصى ...أيها الناس... في حال نجاحي في الانتخابات كنت قد وعدتكم بأن أقتني لكم سيارة تفتخرون بها أمام الجماعات الأخرى كما وعدتكم بأن تركبوا السيارة الفخمة وأحقق حلمكم الذي راودكم منذ طفولتكم أيها الناس أخذت من وقتي الكثير وبذلت جهدا كبيرا فتجولت بكل شيوخ الدواوير وبعض المتزوجين و الشباب على متن هذه السيارة المباركة.
أيها الناس ...ها أنذا أفي بوعدي في اليوم الأول من وصول سيارتكم إلى الجماعة .... وهكذا لم يبق لكم عندي أي مطلب آخر ... اقسم بالله أنني بعت دراجتي النارية و أضفت ثمنها إلى ميزانية الجماعة لأقتني لي ولكم هذه السيارة الفخمة ونائبي في الجماعة شاهد على ذلك ... أيها الناس لقد رفعت رؤوسكم أمام كل الجماعات المجاورة وآن لكم أن تفتخروا برئيسكم وسيارتكم ... أيها الناس من أراد منكم أن يمتع نفسه بنظرة أو لمسة فليأت إلى باب الجماعة و ينتظر خروجي أو دخولي بسيارتكم التي هي سيارتي لأنني رئيسكم ... سأبقى رئيسكم وأمتعكم أحيانا بجولات خاطفة حنى نغيض القبائل الأخرى ...... أقول قولي هذا واستغفر الله لي و لي و لي وإن بقي شيء من الوقت سأستغفر الله لكم أنتم أيضا وأقم الصلاة .
عبد المجيد طعام