أزيلال ... زمان – قصة قصيرة/ إعادة
بعد نهار يتصبب خلاله عرق كثير من أجل كسب العيش، تعن لأهل القرية الخشبة ومن فوقها نصبت عند نهاية منحدر مخصص لبائعي الملح ، لكن هؤلاء يقلعون من محيطهم مصدر رزقهم ، لأن الفرجة أهم . بعض القرويين يتواردون على نفس المكان بمنتوجهم يطردون كذلك إلى حين.
المنحدر غير خاف لدى الجميع اذ يتواجد إزاءه الجزارون تستأنس بهم كلاب جائعة، تقضي أغلب وقتها نائمة، عساهم يلقون إليها بعظمة أو بشحمة زائدة.
بجوار الفضاء الذي تباع فيه الحبوب، يحضر فقيه طاعن في السن، قيل أنه يأخذ بناصية الجن، يخاطبه ويجعله يقضي له حوائجه، وقيل أنه عابر سبيل، يخطط ليفوز بكنز كثر الحديث عنه من طرف السكان. هذا الفقيه يستمع إلى وعظه رجال وأطفال، لكنه سرعان ما يقطع كلامه متجها للصغار : كحازو اللور أوليداتي ...الله ياعطيكم النجاح ...كحازو..،يستمر في وعظه لكن طفلين يتشاجران ويتبادلان السب والشتم ، يوقف حديثه : ا الأولاد...ا الأولاد مالكم ؟ يالله خرجو من هنا سيرو للتساع آه...آه... يعود إلى مستمعيه ويقول ساخرا :آه ، أولاد السكويلة يتعلمون " أحمد والعفريت "...أو...او...
يضحك البعض من هذا الكلام ، ويسترسل في إرشاده ، بيده كتاب " الطب والرحمة " ، على الأرض سجادة فوقها كتابتن أصفران، يتعلق محتوى الأول بدقائق الأخبار عن الجنان والنار، والثاني في ثناياه جداول ذات أشكال مختلفة، يتحدث عن الوديان المخلدة وجهنم التي أعدت للكفرة،.ينتقل ليفسر بعض الأحلام، يعرض على الناس جداول تقي من العين، تليق للعقم، تجلب المشتري للبائع، تضمن الزواج لفتاة غاب عنها الخطاب.
غير بعيد، يتجمهر أناس آخرون حول شخص يدير لعبة " الخيط ، تحت مظلة كبيرة يتدلى منها ثوب يغطي ظهور الواقفين، أحذيتهم وسراويلهم تلفت النظر، أطفال يحاولون الدخول ولا يجدون إلى ذلك سبيلا :- شوف ، دير صبعك هنا ...درهم أو تربح جوج... جرب زهرك .... يضع أحد أصدقائه أصبعه ويحرز على درهمين، إنها خدعة ليغري قرويا يتردد، كمن يهيئ صنارته، فقد يصطاد ضفدعا أو سلحفاة.
- فحفوا السنبوك...بالي به...شكنة...
يضع أصبعه ، لا شيء...عيناه تحملقان...
قرب محطة " السويرتي " ، بين الحائط الواقي للقرية والمجزرة، تنزل الطريق المؤدية إلى عين " لبروال "، منها يرتوي قاطنو دوار أزيلال ، وتشرب مائها الزلال دوابهم ، فتيان وشيوخ يقصدونها راكبين، يتمايلون على إيقاع " السويرتي "يصلهم عبر الأبواق إلى أن يهبطوا من على بهائمهم .هذه العين قديمة جدا، في الذاكرة حية مدى الأيام، يجري مائها قاطعا دوار " أغبالو " وغالبا ما يضطر سكانها لإبعاد خنازير " النصارة" لأنها تضر بضيعاتهم...
الخشبة رتبت ورائها أنواع مختلفة من الأثاث فوق رفوف يزينها ثوب مزركش : كؤوس بديعة ، أباريق لماعة ، أطباق براقة. كلها تعكس ضوء المصابيح المشتعلة ليلا، ويبدوا كل شيء رائعا ومغريا، على الجانب اليساري العجلة تدور ...تتوقف ويعلن الفائز : إرباح...ارباح...أعطيه ...والى ...والى...جابها في في النوالة...
قبل ذلك انتصب الرجل فوق الخشبة، من أجله يحضر الكثيرون لرؤيته، تترك العديدات أشغالهن، يمشي أمام الواقفين، يرقص ، يقترب منهم ، يلمسون أصابعه ...يضحك لهم . نساء قلن انه امرأة راقصة ، أخريات يؤكدن أنه رجل وأن هناك آخرين مثله، شعره الأشقر يداعب كتفيه العريضين، عيناه السوداوان تتركان وقعا خاصا على المتفرجين، حاجباه يتحركان، يخاطبان المعجبين، عين تغمز هذا وتلك، وأخرى مفتوحة منطوية على ذكرى، بل على ذكريات.
أمام المنحدر مرتفع تصطف عبره الدكاكين، بداخلها أصحابها يعملون، يتسابقون مع الزمن، من حين إلى آخر، يثير انتباه القاعدين في محلاتهم، والمارة، صوت " الدلال " يعرض ماشيا حذاء للبيع، يجوب أزقة القرية عله يتخلص من الحذاء وينال نصيبه، هذا الرجل يعتبر صلة وصل بين السلطات والسكان كلما تعلق الأمر بإيصال خبر ما إليهم .
الخبر ينقله إليهم يوم الخميس حتى يكون أكبر عدد من "بني مصاد" على بينة منه : لا اله إلا الله ، محمد رسول الله ...يكون فخباركم ...اللي كايربطو البهايم برا ديال السوق ...لبغال والحمير أو كلشي لداخل في الفنادق...ها ودني منكم ...هذا هو...
الدلال مستمر في دورته يعرض الحذاء :
- اعطاو 40 ريال…الصباط…اعطاو 40 ريال …
هكذا ، ينتقل من زقاق إلى زقاق :
اعطاو 45 ريال …ماهناوك يامسكين …
ينتهي إلى دكان خياط ويتوقف ، يدخل :- لاباس ؟ شي باس ماكين ؟…لا مزال …اعطاو 45 ريال …مولاه باقي طامع الخير…
بينما يتحدث، الخياط يحاول إتمام لباس باغثه صاحبه وجلس ينتظر الكسوة الجديدة. يصل شخص وهو يلهث، بيده أمتار من ثوب أبيض : الله ارحم من مات…ايه كول القوت وانتظر الموت …ايه…وبعدها الموت…جارنا المسكين …مات…عفاك المعلم…الله يرحم الوالدين …يضع الخياط الثوب الأول جانبا وكأنه يولي ظهره للحياة الدنيا، يطل لبعض الوقت على دار الحق والبقاء. وخا …هو الأول …بسم الله…
لكن المنحدر غاص بالواقفين ، الرجل فوق الخشبة ، الأبصار شاخصة إليه إلى ساعة متأخرة من الليل، تنسحب النساء وكأن الظلام يبتلعهن، ويبقى الرجال ينتظرون حظهم ، يستمتعون بالرقص والغناء …
يعلن عن رقم آخر رابح، تعلو الأصوات وتظهر علامات الخيبة على وجوه لفحتها الشمس المتوهجة طوال النهار…صفارة العساسين تنطلق…تنطوي القرية على نفسها، يختفي المنحدر، تتراءى صفوف الدكاكين تحت الضوء الباهت، ينحدر باب " السويرتي " إلى غد…ليلا تطفو الأحلام، تلبى الرغبات، تعطى دراهم…المحبون نيام الآن. آخرون يمددون سهرهم بجوار الصخرة المعهودة، باب يقرع…يفتح…يوصد…حجرة ترتطم بالجدار، تترك عليه أثرا…غدا سيتداول أهل القرية حكاية فلان مع فلانة …غدا ستدور العجلة وتدور.
كلشي يلعب… الدري والدرية… الشيباني والشيبانية… أعطيه... الكيسان… بالصحة والراحة… شكون كال أنا ؟.
أزيلال الحرة/ ذ حسن أيت زهرة