|
|
التسلط الإلكتروني يأخذنا إلى الواقع المعيش
أضيف في 29 ماي 2018 الساعة 52 : 00
التسلط الإلكتروني يأخذنا إلى الواقع المعيش
تُعد شبكة الإنترنت مصدراً غنياً للحصول والوصول على المعلومات والمعارف وتبادلها؛ وهي متوفرة بسرعة البرق، إضافة إلى كونها أداة تعليمية نشطة ومثيرة للدهشة والفضول ومسلية للأطفال والبالغين، وتتيح هذه الشبكة مساراً لا متناهيا من التفاعل والمشاركة بفضل ما توفره من وسائل ومنصات للتواصل الاجتماعي مع الأقران والأصدقاء والعائلة دون حدود جغرافية، وهي تخلق بيئة عمل وتعلم محفزة للكثيرين ومستمدة من واقع الناس الاجتماعي المعيش في كافة المجالات السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية. نعم: ورغم كل ما ذكر، تخفي هذه الشبكة وجهاً آخر خلفها يؤثر بمفاعيله على حيواتنا وعلاقاتنا.
فمع تنامي الإقبال على وسائل التواصل الاجتماعي مثل الفيسبوك، التويتر، الانستغرام، سكايبي، واتس أب ، سناب شات ،غوغل وغيرها، أصبح لزامًا علينا الحديث عن ظاهرة جديدة تدعى التسلط الإلكتروني((cyber bullying، لا سيما أن حياتنا الواقعية أصبحت أكثر تداخلاً مع الإنترنت، واكثر مواكبة لكل ما هو جديد في أجهزة (الآيفون) وأجهزة (الآيباد)، بجانب التحديث المستمر والسريع في البرامج الإلكترونية والتي تأخذ في كثير من الأحيان طابعاً تجارياً ولا يمت هذا الطابع للعلم والمعرفة بصلة لا من قريب ولا من بعيد، بل على العكس من ذلك فالكثير من تلك البرامج تحث على الكسل المعرفي والتبلد العاطفي وفصل الإنسان عن واقعه، حتى أنها تزيد من منسوب الاتكالية والإحباط لدى الكثيرين، وبعضها أيضاً يعزز الشعور بالنرجسية اللحظية ، مثل هذه البرامج مغلفة بطابع اجتماعي لجذب الاهتمام والإغراء الحسي ومنها على سبيل المثال برامج ذاع صيتها في الآونة الأخيرة على صفحة الفيسبوك وتُقَدَم للمستهلك في قوالب معرفية جاهزة دون تكليفه عناء البحث حتى في بنات أفكاره : ( أعرف من هو صديقك المفضل- أعرف كم عدد الذين يكرهونك ويحبونك- هل تريد أن تعرف كيف تبدو بعد 50 عام-اعرف متى ستموت –اعرف كيف يبدو حالك عندما تصبح مليونيراً- اعرف من تشبه من الحيوانات- اعرف ماهي صفاتك) وغيرها الكثير من البرامج والألعاب التي تحاكي الكثير من الفضول الغرائزي وبعضها يحاكي حاجات الناس وحيرتها، بل و ضعفها وعوزها المالي، ومع هذا التحديث التكنولوجي تطورت أيضا أشكال الإيذاء المتكرر (التسلط) لينتقل من العالم الواقعي إلى العالم الافتراضي وتنعكس نتائجه مجددًا على أرض الواقع.
إن ما نتحدث عنه اليوم هو أخطر بكثير مما يتصوره الإنسان خصوصاً ونحن أمام (صرعة) تكنولوجية تواكب عملية التغيير في كافة جوانب الحياة، فأصبحنا نشاهد العجب العُجاب في عالم الإنترنت والتكنولوجيا وهذا ينعكس سلباً على مصيرنا صغاراً وكباراً بعدما بدأت عملية الغزو الإلكتروني تسري في عقولنا وأجسادنا بكل الطرق حتى أنها وصلت عند الكثيرين حد الإدمان.
ومع تطوّر وسائل التواصل الاجتماعي وانتشارها الواسع والسريع واستخدامها بحرية مطلقة دون رقابة أو محاسبة بين جميع فئات المجتمع وخصوصًا الطلبة زادت مشكلات العنف والتلفظ اللاأخلاقي والتسبب بالأذى النفسي أو البدني أو التحريض ضد الآخرين ومن ثم خرق الخصوصية المتعلقة بسلامة الإنسان الجسدية أو الذهنية أو احترام معتقداته، مثل بث خطابات (رسائل) تتضمن أفكار الحض على الكراهية الدينية أو العرقية أو الجنسية أو المطاردة أو الذم والقدح الإلكتروني.
وببساطة وبكبسة (زر) ممكن أن يعني التسلط الإلكتروني الاستمرار في إرسال الرسائل الإلكترونية إلى فتاة طلبت من شاب التوقف عن إجراء المزيد من الاتصالات معها، وقد يشمل التسلط : التهديدات، والتعليقات الجنسية، والأوصاف التحقيرية، والتآمر على الضحية وجعله موضع سخرية، وينتشر الاستقواء والتسلط الإلكتروني بين طلبة المدارس في المراحل الدراسية المختلفة و تعتبر الفتيات والقصر منهن خاصةً، الأكثر عرضه من الفتيان للاستقواء الإلكتروني والتهديد بالإيذاء، عبر استخدام: عبارات بذيئة، ألفاظ نابية، شتائم، تحريض، انتقام، ترهيب، تلاعب عاطفي، وغيرها من مفردات العنف التي يتداولها مراهقون على نطاق واسع في الفضاء الإلكتروني. وتتردد أصداؤها على منصات شبكات التواصل الاجتماعي من دون أن يراهم أو يسمع بهم أحد
وفي الآونة الأخيرة تُشاع في مجتمعنا الفلسطيني مسألة خطيرة تتمثل في تصوير النساء والرجال وحتى القُصر في أوضاع إباحية مثيرة، وتبادل هذه التسجيلات المثيرة على أوسع نطاق عبر رسائل الهواتف النقالة، أو تنزيلها في موقع you tube ، أو في مواقع التعارف والتواصل الاجتماعي؛ بجانب إنشاء صفحات تشهير خاصة، لفضح الضحايا وعائلاتهم، بصفتها نوعاً من الانتقام والإساءة ونشر شائعات وأكاذيب للإضرار بالسمعة والاستبعاد عمدا وبوحشية عن الجماعة الافتراضية عبر الإنترنت.
لقد أصبحت هذه المظاهر تمثل مصدرًا للقلق الاجتماعي، إذ أن الاستخدام المكثّف للتكنولوجيا ووسائل الإعلام الاجتماعية ولاسيما بين أوساط المراهقين أدى إلى جعلهم أكثر المجموعات عرضة لهذه الانتهاكات، وينتشر التسلط الإلكتروني بين الأطفال والمراهقين الذين يعرفون بعضهم خارج الشبكة العنكبوتية، فقد يكون المتسلط والمتسلط عليه في المدرسة نفسها أو يقصدان مركزاً أو نادي ثقافي، وبالتالي يختار المتسلط ضحيّته التي يعرفها مسبقًا فيستخدم نقاط ضعفه كأن يكون الضحية هزيلاً أو بدينًا أو كسولاً أو حتى أداءه الأكاديمي مميزاً في المدرسة أو أن يكون ببساطة يشعر بالغيرة تجاهه إذا كان لديه عدد كبير من الأصدقاء فيعمد إلى تشويه صورته بشكل أوسع عبر تعليقاته المسيئة ويشاركه في التسلط الأشخاص التابعون له، وفي المقابل قد يحدث تبادل في الأدوار فيرد الضحيّة بأسلوب التسلط نفسه خصوصًا إذا كان يعرف نقاط ضعف المتسلط. إن التسلط المدرسي العادي يكون وجهًا لوجه وغالبًا ما ينتهي مع انتهاء العام الدراسي إذا لم يكن هناك نشاطات مشتركة خارج إطار المدرسة، أما التسلط الإلكتروني فلا يتوقف بمجرد خروج الطلبة من المدرسة بل يقتحم المنازل ويسمح للمتسلط بمضايقة الضحية بأي وقت ويزداد الأمر سوءًا إذا لم يكن المتسلط عليه قادرً على الدفاع عن نفسه لضعف ثقته بنفسه أو لشخصيته المتردّدة، ورغم أنه غير مؤذ جسديًا إلا أن المتسلط عليه يشعر بالضعف والخوف والوحدة والتوتر والاستياء الشديد ولا يمكنه تخطّي هذه المشاعر أو الهروب منها لأن أي شخص أصبح قادرًا على اختراق هاتفه الذكي أو صفحته الإلكترونية.
إن استخدام الأطفال والمراهقين للإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي دون متابعة من الأهل غالبا ما يكون السبب الرئيسي وراء ظهور هذه الظاهرة، كما أن الخوف الشديد من رد فعل الوالدين قد يكون سببا في تفاقم المشكلة وتعقيدها ورفض المراهق أو الطفل إشراك والديه في مشكلته والعمل على تخطيها، وهناك الكثير من المراهقين الذين يرفضون ذلك بدافع المكابرة وأنهم ليسوا صغارا كي تحل أسرهم مشكلاتهم.
ونؤكد في ذات الوقت انه من الضروري متابعة استخدام الطفل والمراهق لوسائل الإنترنت من قبل الوالدين دون أن جعله يشعر أنه مراقب أو تحت السيطرة لحمايته من أي ضرر نفسي قد يلحق به، كما أنه من الضروري تقوية جسور العلاقة والحوار بين الأبناء والوالدين في هذه المراحل العمرية الحساسة والتي من المفترض أن تكون قائمة على الثقة والحوار والاحترام المتبادل وليس التخوين والتخويف والعقاب البدني، فالعلاقة الأسرية المتينة والمتوازنة بين الوالدين والفتيان والفتيات تنجح في حمايتهم من الوقوع فريسة لأي شخص، ولهذا فمن المهم ولتجنب التعرض للتسلط الإلكتروني استخدام الإنترنت والهواتف الذكية بعناية كافية، وتجنب نشر تفاصيل شخصية مثل رقم الهاتف الخاص أو العنوان، والتفكير بحذر قبل نشر الصور أو مقاطع الفيديو الخاصة بالطفل أو بأصدقائه على الإنترنت، وإعطاء رقم الهاتف للأصدقاء المقربين فقط، وحماية كلمة المرور وعدم السماح للأصدقاء بالوصول إلى الحسابات الشخصية، واستخدام إعدادات الخصوصية على مواقع التواصل الاجتماعي، وعدم تمرير رسائل البريد الإلكتروني السيئة، وطلب المساعدة من الوالدين أو المرشد التربوي أو المعلم عند التعرض لها.
بقلم: عبدالرازق غزال
|
|
|
[email protected]
التعليق يجب أن يناقش موضوع المادة
|
|
|