قرطاس من جماعة تنانت.. تلميذ يتحدى إعاقته بالدراسة والإبداع
من قال إن عائق الحركة و صعوبة النطق قد يعرقل عزيمة شخص ما ، فطلب العلم و الموهبة الإبداعية شعار قوامه روح التحدي بالنسبة لكل شخص يعاني في صمت، هذا النموذج من الأشخاص حاضر بقوة في قلب المغرب العميق بمنطقة أزيلال أحد أقاليم الأطلس الأمازيغي بالمغرب ، إنه التلميذ المثالي الذي وصل إلى مستوى الجدع المشترك علوم بالثانوية التأهيلية الزرقطوني بالجماعة القروية تنانت التابعة لإقليم أزيلال ، رغم ظروفه الصحية و العائلية الصعبة ، لتنطبق عليه مقولة الإعاقة ليست إعاقة جسد بل إنها شجاعة و قدرة من أجل فرض الذات في الوجود برفقة الآخرين رغم كل الصعاب و التحديات ، و خاصة في ظل النظرة السلبية للمجتمع إتجاه الشخص المعاق .
عبد الكريم قرطاس بالرغم من كونه لا يقوى على الحركة والتحرك و يجد صعوبة في الكلام مواظب بشكل منتظم على الحضور في حصصه الدراسية ،و مهتم كثيرا بالعمل المتميز داخل حجرة الدرس ، و بفضل تشجيعات أستاذه في مادة الفلسفة الذي يصفه أمام زملائه في القسم" بالفنان البطل " و بحكم تواصله معه بشكل مستمر في الحصص الدراسية و عبر صفحة الفايسبوك إكتشف فيه ميلا إبداعيا نحو مجال الرسم الفني بالرغم من كون قرطاس لا يقوى على تحريك أصابع يديه إلا قليلا مما أثار إستغراب و دهشة الأستاذ الذي أبى إلا أن يقترح على اللجنة المنظمة لحدث الأسبوع الثقافي السنوي بالمؤسسة التي يدرس بها عبدالكريم من أجل إدماجه ضمن البرنامج العام لهذا النشاط التلاميذي عبر إقامة معرض خاص بلوحاته الإبداعية في الرسم و التشكيل الفني ، و التي حظيت بإعجاب و تشجيع الأطر التربوية و الإدارية و تلاميذ المؤسسة ، هذا التلميذ الذي وجد في الفن التشكيلي هوايته المفضلة للتعبير عن مهاراته وقدراته الذاتية التي يحاول من خلالها إختزال أحاسيسه، و لكن بصيغة بحيث تكشف رسوماته عن كون شخصيته مفعمة بالتفاؤل و الحب و الإحترام و الجمال و السعادة و الأمل و الطموح، رغم ما يعانيه من وضعية صحية تختلف عن الجميع ليكرس بذلك نموذج الإنسان المشبع بالقيم الإنسانية النبيلة و التربية الأخلاقية العالية .
قرطاس بالرغم من أنه يتحرك بصعوبة بالغة على كرسي متحرك، و في كل خطوة يحتاج إلى من يرافقه لقطع المسافة بين البيت و المدرسة صباحا مساءا ، ويكتب الكلمات بتثاقل، و يجد صعوبة في النطق، لكنه من أنجب التلاميذ في مؤسسته دراسيا و إبداعيا، و له رسالة عنوانها الأمل الباسم لتجاوز محنته في الحياة، و تحذوه رغبة نفسية و معنوية في بناء مستقبله رغم أنف الواقع .
ليكون عبد الكريم قرطاس واحد من عدة ذوات إنسانية تتحدى كل الظروف و الصعاب و تجعلها مناسبة مع واقعها بكل أريحية و عفوية في إنتظار أن يغير المجتمع الإنساني نظرته الضيقة إتجاه أمثال هؤلاء الأشخاص رمز الإنسان النموذجي قيما و أخلاقا ، و بميل و رغبة إرادة قوامها العزيمة من أجل إرضاء الواقع في ظل واقع مجتمعي لا يرحم .
و نحن نجالس عبدالكريم في رواق معرضه الفني الخاص في إطار النشاط الثقافي المدرسي و هو يردد في نفسه قائلا : "الحمد لله الذي أخذ مني نعمة الحركة من جسدي وجعل لي لسانا ذاكرا وقلبا خاشعا والحمد لله الذي أبقاني حيا ، و أنعم علي بقدرة الشجاعة و التحدي و الأمل في الحياة "، مضيفا كتعبير خاص به : " أنا لست شخصا معاقا ، و لكن المجتمع هو العائق الوحيد أمامي .. فأنا لا أنتظر شفقة من أناسه ، و لا حتى أن يحزنوا لأجلي ، لأنه لي طاقات و قدرات كي أعيش حياتي بشكل عادي "
و في الختام أكد لنا عبدالكريم أنه منذ طفولته يحب التحديات ومواجهة الصعوبات و خوض المغامرة، وأن الفرد لوحده هو من يقرر أن ينهار و ينعزل أو أن يكون ذا إرادة و ثقة بالمستقبل " مرددا شعاره في الحياة " إما أن نكون أو لا نكون " .
أزيلال : ذ . عبدالالاه المهدبة