اِستَعِدّوا للبرد كما تستعدّون للقتال
لِحُسن حظ بلادنا، ومن ألطاف الله علينا، أن الجيش الملكي الباسل ليس تحت إمرة حكومة [العثماني]، وإلا لـمُنِع من تقديم المساعدة للمتضرّرين من شدة البرد القارس، وسوء الأحوال الجوية.. كانت الحكومة المشؤومة ستُصدِر قرارًا يُمنَع بموجبه الجيشُ من إغاثة المواطنين في الجبال الشاهقة، والسهوب الوعرة، وفي المداشر، والمناطق التي عزلها الثلجُ عن باقي ربوع الوطن؛ وكانت الحكومة المشؤومة ستبرّر قرارها بكون الجيش دورُه هو الدفاع عن التراب الوطني، لا لتقديم العون والمساعدة في الظروف الحالكة؛ وكانت ستقول ذلك لأنه لا حياءَ لها، ولا كرامةَ، ولا إنسانيةَ؛ فالتجار، والجزّارة، لا أكبادَ رطبة في جنوبهم؛ ولا قلوب تنبض بالخير في صدورهم؛ ولا ضمائر تُوخِزُهم في أعماقهم؛ فهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا، ويتوهّمون أنهم نخبة العلم، والمعرفة، والسياسة السديدة؛ ونحن نقول لهم:
أَروني بينكم رجلا، ركينًا واضِحَ الحسب.. أرُوني نصْفَ خاشعٍ أو ورِعٍ أو رُبْعَ محتسِب.. أَروني حزبًا حافِلاً بأهل الفضل، والعلم، والأدب.. وماذا في مدارسكم من التعليم والتربية والكتب؟ ماذا في مساجدكم من التبيان، والوعظ، والخُطَب؟ ماذا في صحفكم سوى التمويه، والمكر، والكذب؟ حصائدُ ألسُنٍ في برلمانكم جرّت إلى الويلات، والأزمات، والكُرَب.. ثم ماذا؟ كم على أرضٍ اغتصبتموها من ڤيلات أُشيدَت لوزراء تعدُّهم أصناما.. والحكومة لا تدين بحق الشعب تخاله أنعاما.. فلا رعى الله مَن يبدّد أموالَ البلاد، ويجوّع المواطنين، ويجمع الآثاما.. فلو كان فيكم خير، لتبرّعتم كل شهر بمليون من رواتبكم، ومجموع عددها هو حاصلُ أعدادكم من وزراءَ، وبرلمانيين، ومستشارين، وتفرقْتم في ربوع الوطن، توزّعون المساعدات، فتلكم أموال نلتموها بفضل شعب صوّت عليكم، فلماذا لا تردّون له فضلاً من أفضاله عليكم، وتسجّلون في ملفاتكم الخاوية، ولو حسنةً، تُجزون عليها يوم لقاء ربكم؟! فلماذا جمعياتُ التبشير تزور تلك المناطق البعيدة، وتوزّع [قُفَفَ المسيح]؛ وأنتم تدّعون كذبًا الدفاعَ عن هذه المناطق التي تجهلونها، وما زرتموها يوما، ولا سألتم عن أحوالها، وأحوال أهلها؛ فأنتم تمثّلون مَن؟ وأنتم حكومة من؟ هل هذا معقول!؟
وقف [العثماني] في البرلمان ليردّ على سؤال حول ميدان التعليم الذي يريد ضربَ مجّانيته، وهي من الثوابت؛ فاتّهم رجالَ التربية بالضعف، ونسي أنه هو نفسه رمزُ الضعف منذ تولّيه الخارجية، والآن تردّي القطاعات وتوالي رفْع الأسعار، وتعدُّد قرارات الاقتطاعات، ومن دلائل ضُعْفِه قراءتُه الرديئة في مؤتمر الاتحاد الإفريقي لرسالة جلالة الملك أمام القادة الأفارقة، وقد خصّصنا لها مقالةً تبيّن ضُعْفَ [العثماني]، فلماذا يلقي بعيوبه وراء ظهره، ويفترش عيوبَ غيره؟ وصدق من قال: [رَمَتْني بِدائِها وانسلّتْ].. لماذا يتحدث كذبا عن الجودة، وعن البحث العلمي في التعليم؛ فهل هو [طهَ حسين، أو مالْرو، أو أوكتاڤْيو بّاز]؟ فهو مجرد (Travesti) وصل إلى الحكم بالديموقراطية العرجاء.. لقد وصل [هتلر] إلى السلطة بواسطة ديموقراطية لا يؤمن بها، وتحالفَ معه الشيوعيون في زواج مصلحة، وتآلفتْ نازيةٌ مع شيوعية؛ وهو الشيء نفسه الذي فعله [بنكيران والعثماني] للوصول إلى السلطة، حيث تحالفتْ [إخوانيةٌ مع شيوعية] باستعمال الديموقراطية.. لقد كانت الديكتاتورية تتولّى السلطة بواسطة الانقلابات العسكرية؛ أما الآن فإن الأحزابَ الديكتاتورية تصل إلى السلطة بواسطة الدّيمُوفاشية..
لقد عبّر [العثماني] بصريح العبارة عن ضعفه، وكان من واجبه أن يقدّم استقالتَه عندما قال في البرلمان.. [ما عنديش قدرة تمنع الثلج]؛ ولكنْ عنده قدرة تمنع المواطنين من أقواتهم.. أنت يا حبيبي ليس مطلوبا منك منْع الثلج؛ وإنما المطلوب منك التصرف، والاستعداد لسقوط الثلج؛ وهذا رسولُ الله صلّى الله عليه وسلم يقول يا (عثماني): [استَعِدّوا للبرد، كما تستعدّون للقتال،]؛ فأيُّ استعداد قدّمتَه قبيْل فصل البرد، والشتاء، والثلوج، وهو ما أسماه النبي الكريم: (الاستبصار)؟ فأنت تدّعي الإسلام، وبه تغوي، وتستدرج المغفّلين، فكيف بك تجهل وصايا الرسول الذي ألّفتَ كتابًا حول تصرّفاتِه السياسية و(حاشا ذلك)؟ كيف تجهل قولَ [عمر بن الخطاب] رضي الله عنه حين قال: [لو عثرتْ بغلةٌ في (العراق) لسألني الله: لماذا لم تُصْلِحْ لها الطريق يا (عمر)؟]؛ ففي بلادنا يعثر الأنامُ والأنعامُ؛ بل يموت الناس، فماذا فعلتَ لهم يا صاحب [حزب الدعوة إلى الله]؟ لا، بل (الدعوة بكم لله) كما يقول المغاربة في حق كل ظالم أثيم.. فوالله لو راهنّا عليكم في هذا السياق، لبقينا ننتظر حتى تلتفّ الساقُ بالساق، ويكون إلى ربك يومئذ المساق.. إذن تشجّعْ، وقدِّمْ استقالتَك، فهي خير لنا ولك..
فارس محمد