بنكيران…الشجرة والغابة
منذ شهر يناير الماضي، تاريخ تعيين الحكومة الحالية من طرف الملك، لا حديث سوى عن عبد الإله بنكيران. فقد تحول رئيس الحكومة إلى نجم حقيقي بالمعنى الفني، ومنذ توليه مهمته على رأس الحكومة الجديدة وهو يصنع أحداثا من النوع الذي كان المغاربة يحبون أن يقرأوه في مجلة"الموعد"الفنية التي كانت تأتي من مصر وتتصدر أغلفتها صور مطربين أو ممثلين مصريين مع أخبارهم الشخصية والعائلية التي تسبق أخبارهم الفنية على الدوام. ولا زال الكثيرون يتذكرون قضية ربطة العنق وما أثارته من "تحليلات" تشبه ما كان يكتب عن القميص المزركش بالأحمر والأبيض لعبد الحليم حافظ الذي ظهر به في فيلم"أبي فوق الشجرة"، ثم اختفت ربطة العنف قليلا وحلت محلها قضية النكت الخفيفة التي يوزعها بنكيران يمينا وشمالا على عادته، ثم جاءت قضية الشعبوية التي أثارتها الوكالة الرسمية قبل أقل من أسبوع، مركزة على الجانب الشخصي في الرجل أكثر من الجانب الأهم الذي يهم المغاربة فيه، وهو نجاعة التدبير وحجم الملفات التي فوق مكتبه وطريقة التعامل معها.
هناك إفراط كبير في التعامل مع الجانب الشخصي لبنكيران، لا بد أن يطرح تساؤلا حول المقصود منه، فهذا الأمر لم يحدث حتى مع عبد الرحمان اليوسفي الذي ترأس أول حكومة تناوب في نهاية التسعينات وضعت على كاهلها أحمال كثيرة من طرف المواطنين الذين استبشروا بها بل حاول البعض أن يصورها خشبة خلاص للبلاد. وأجزم أن المغاربة اليوم يجهلون الشيء الكثير عن الأبعاد الشخصية لليوسفي، مع أنه تولى رئاسة الحكومة مرتين لمدة خمس سنوات تقريبا، من 1998 إلى نونبر 2002، وما لم يعرفه المغاربة عن اليوسفي طيلة خمس سنوات عرفوه عن بنكيران في سبعة أشهر، وزيادة.
من الناحية السياسية، يلعب التركيز على الصورة الشخصية دورا مزدوجا، فهو من جهة يحرف أنظار الرأي العام عن الحقائق السياسية التي يتوجب التعاطي معها ومساءلتها وإنجاز مهمة التتبع لما تحصل منها، ومن جهة أخرى يقدم رسالة مفادها أن الرجل ليس لديه ما يعطيه. وما يحفز على التفكير أكثر في هذا التركيز المبالغ فيه على الجانب الشخصي في رئيس الحكومة أن هذا الإلحاح على صورته يناقض العنوان الأكبر للمرحلة التي دخلها المغرب منذ دستور يوليوز الماضي الذي أعقب تحرك الشارع المغربي. ومن المفروض، وفق هذا المنطق السياسي الجديد، أن يكون التركيز بشكل أكبر على هذا الدستور، وعلى البنية العامة والكلية للعمل السياسي في البلاد، وعلى احتمالية امتصاص المغرب لهذه التحولات الجديدة بالفعل من عدمه، وليس على شخص رئيس الحكومة، مما من شأنه أن يحجب الصورة الفعلية للتغيير في أرض الواقع، وقياس مدى الإعمال الفعلي لما جاء به الدستور الجديد من آليات وإجراءات لإنجاز التحول المنشود. ذلك أن المغاربة الذين خرجوا إلى الشارع للمناداة بالإصلاح لم يكونوا يطالبون برجل جديد وإنما كانوا يطالبون بدولة جديدة يحكمها القانون، ويدركون بأنه مهما كان الرجل الذي سيقود الحكومة فلن يكون مهما لشخصه، وإنما لقدرته على التفعيل الأمثل للدستور والتجاوب مع نداءات التغيير، بيد أن الجواب الذي قدم لكل هؤلاء هو التالي"ها أنتم أولاء أمام رجل جديد، هو ذا أنتم أمام التغيير".
ربما كان رئيس الحكومة يجد في هذا التركيز على الجانب الشخصي فيه نوعا من الإشباع الذاتي، لكن هذا الإشباع سيكون خطأ مميتا من الزاوية السياسية. فهو يتحول إلى شجرة تخفي الغابة الحقيقية التي يجب أن تتطلع إليها الأنظار، وهي مقدار التغيير والإصلاح الذي يمكن أن يحصل في المؤسسات وفي منطق الاشتغال في الدولة وفي حياة المواطنين اليومية بشكل عام، فالرجل لم يأت لكي يخفي الغابة عن المواطنين، ولكن لكي يدلهم عليها، وبعد سبعة أشهر عرف المغاربة بنكيران بشكل جيد وفوق الكفاية، والآن يجب أن يتعرفوا على أنفسهم وأن يلمسوا مدى الإنجازات التي تحققت. إن كانت!.
ادريس الكنبوري