حكومة الزُّمرة الذِّئبية كيف تكون وما هي مواصفاتها؟
في جولاتي بين ركام مراجع التاريخ، عثرتُ على نص للمفكر الإيطالي الشهير [ماكياڤيللي: 1469 ــ 1527]، وهو صاحب الكتاب المعروف [الأمير]، عثرتُ له على نص يصف فيه حكومةَ الخدَّاعين كيف تكون.. ومن أبرز خصائص حكومة الخدّاعين أنها تخدع الشعب بما تسمّيه قوانين لا تخدم مصلحتَه، وإنما تخدم مصلحتَهم، وتفكيرُ أعضاء حكومة الخداعين لا يخرج أبدا عن دائرة [الأصفر الرَّنان]، وهو يعني بذلك [الفلوس]، وهذه القوانين التي تسنّها حكومةُ الخِداع، ترمي أساسا إلى النيل من قوت الشعب، مما ينتج عنه كوارث اجتماعية خطيرة على المدى البعيد؛ وكل حكومة تنال من عيش شعوبها، إلا وتسير نحو حتفها بنفسها… ومن شدة حب أهلها للمال حبّا جمّا، فإن الواحدَ منهم قد لا يبكي على موت أبيه، ولكنّه يذرف دموعا كالنساء أو الأطفال على ذهاب منصب أو ثروة.. قد يقول بعضهم إن الشعبَ مقموع، ولن يحدث شيء من هذا؛ لكنْ لا مستحيل في التاريخ؛ وهو ما لم يحذرْ منه الكثيرون ممّن اعتمدوا هذه السياسة، فكانت النتائج وخيمة.. قد انتقد [مونتيسكيو] فكْر [ماكياڤيللّي]، لكنه وافقه الرأيَ في هذه النقطة بالذات: اُنظر كتاب: [حوار سياسي في جهنّم] لصاحبه: [حبيب حرب] اقتبسه عن الكاتب الفرنسي [موريس جولي]؛ طبعة [1992].. ولنا عودة للموضوع بالتفصيل إن شاء الله..
لقد أثبت التاريخ أن ذلك كان صحيحا تماما، وقبل الفتنة الفرنسية التي يسمّونها كذبا [ثورة] ويحيطونها بهالة من الإجلال والإكبار، وعلى منوالها صاغ [روجي دوليل] النشيد الوطني الفرنسي [لامارسييز]، كان قبل ذلك بسبعين عامًا قد حذّر منه [ڤولتير] عندما رأى الحكومةَ تبيع دوابَّ الدولة في المزاد لسدّ العجز في الميزانية فقال: [لماذا تبيعون دوابَّ الدولة من خيول، وبغال، وحمير، ولا تتخلّصون من دوابّ زائدة عن الحاجة في الحكومة والبرلمان؟].. وفي اليوم التالي، كان [ڤولتير] جالسا يقرأ في حديقة عمومية؛ فانتصب أمامه أحدهم وسأله: [هل أنت السيد دوڤولتير؟] فأجاب: نعم؛ فقال له: [سمعتُ أنك طفتَ العالمَ بأسره، ولكننا سنذهب بك إلى مكان لم تَرَه أبدًا]؛ وفي اليوم الآخر أدخلوه السجن، لقوله كلمةَ حقٍّ في صالح أمّته؛ وهو ما نراه اليوم، حيث لا يراعون مصالحَ أمّتهم، ولكن يحرصون على مصالح بطونهم، وجيوبهم بأيّ ثمن..
أصحاب البطون، والطماعون، لا فكْر لهم، ولا إبداع، ولا اجتهاد، ولا وطنية، إذِ الوطن هو مجرّد حفنة من تراب عفن، وحاشا ذلك.. التراب الذي يقبّله المسلمُ الصادق، والوطني الغيور، ويصلّي فوقه، صار عندهم حفنة من تراب نتن، وتلك تعاليم المنظمات الهدّامة، التي توصي بكراهية الأوطان في تعاليمها الشيطانية ومنها جماعة [الإخوان]، ومن يلفّ لفّها.. لقد وضع [ستالين] ذات يوم، مصمّم الطائرات [توبوليڤ] في [الغولاغ]، ومع ذلك في غياهب سجْنه صمّم أفضل طائراته من نوع [توبوليڤ]، ولـمّا سُئِل وهو في شيخوخته عن ذلك الإنجاز قال: [لقد فعلتُ ذلك من أجل وطني، من أجل الأمّ روسيا]، وأصبح خالدًا بفضل طائراته التي حتى يومنا هذا، ما زالت تحلّق في الأجواء، وهي تحمل اسمَه، وما كان [تيبّوليڤ] يعيش في البحبوحة التي يعيش فيها الآن [العثماني] وزبانيتُه، وهو الآن يريد أن يمحو الوطنيةَ في أعماق المغاربة بواسطة المسّ بأقواتهم، ونسْف حقوقهم، بسياسته في وقت، وكسابقِه، يعيِّن كل أسبوع أكلةً في مناصبَ عليا؛ وصيّر الأمّةَ ضيعةً له..
إن المغرب دولة كبيرةٌ، ومجتمع واسع، وملكية عريقة، ولا يصلح لأمة كهذه رئيسُ حكومة من أشباه [العثماني] وزبانيته من وزراءَ غُثائيين، تروِّج لهم بالكذب والبهتان تلفزةُ التضليل في نشراتها، ولقاءاتها المفبركة، وتتحدث عن تنمية وهمية، والمغرب سائرٌ القَهْقرى إلى الوراء؛ فما رأينا تنميةً انعكستْ إيجابا على مغاربة، قلوبهم تمطر وابلَ الأحزان، ومآسٍ تتناسلُ في كل مكان، والرابح الأكبر من هذه الأوضاع [العثماني]، ووزراء قادمون من أحزاب طائفية تشكّل سدّا منيعا أمام كفاءات مغربية، وعبقريات وطنية، في كل المجالات؛ لكنّ الكفاءات تراجعتْ، وحلّت مكانها الولاءات، ومن أجل ذلك تتلقّى هذه الأحزابُ الدعمَ من أموال الأمّة على حساب أهل الأمّة.. فعلى أي أساس يقبض [العثماني] ووزراؤه، وكتّابُه الملايين شهريا؟ هل أصلحَ وضعًا؟ هل رفع حيفًا؟ هل دعّم اقتصادًا؟ هل سدّد اعوجاجًا؟ هل أنصف مظلومًا؟ هل حمى قوتًا؟ هل صان كرامة؟ أبدا؛ لا شيءَ من هذا حصل.. لكنْ هل الزيادة في الأسعار؛ والرفع من الاقتطاعات الشهرية؛ وخصْم الثلث من تعويضات المتقاعدين؛ وسنّ تقاعُد البرلمانيين؛ وإقرار تعويضات خاصة بالأواني، والهندام، والأسِرّة في الوزارات؛ ولم يبق إلا توفير الغواني؛ فهل كل مظاهر التبذير هذه، تحتاج إلى حكومة يرأسها أشباه [العثماني]؟ فما هذه البلاهة التي ألـمّت ببلدي؟ ما هذه البلادة؟ فما هكذا تتقدّم الشعوب..
فارس محمد